ربما تعيدنا الاستنتاجات المستخلصة من عملية «طوفان الأقصى» وتعدد جبهات المقاومة فيها وعجز الكيان الإسرائيلي عن منع نتائجها المدمرة عليه طوال ثلاثة أشهر متواصلة، إلى إجراء مقارنة بين حرب تشرين عام 1973 وبينها، فلو استمر الاختراق الحربي الناجح الذي حققه الجيشان العربي السوري والمصري على جبهتي الجنوب والشمال لأسابيع أو أشهر متواصلة من دون إيقافه من السادات، لدفع جيش الاحتلال ثمناً باهظاً تزعزع فيه مستقبل وجوده وانهارت قدرته على الصمود.
فمنذ السابع من تشرين 2023 حتى الآن، ما زال جيش الاحتلال يترنح أمام المقاومة المذهلة لجبهتي الجنوب اللبناني والجنوب الفلسطيني وجبهة الضفة الغربية، على قواته وأمام الدعم والإسناد العلني والثابت من محور المقاومة، واتساع مشاركته في التصدي للعدوان من العراق إلى اليمن، ودفع الكيان ثمناً باهظاً من قدرته على الصمود لا لأن المقاومة دمرت له مئة طائرة قاذفة أو ألف دبابة ومدفعاً وعربة مسلحة، بل لأنها كبدته خسائر بشرية بجنوده وبالمستوطنين المسلحين وتصدت لاجتياحه، بصدام مفاجئ مباشر لم يتحمل نتائجه واستمرت بقصف مستوطناته ومدنه بصواريخها طوال تسعين يوماً، فالكل يرى كيف يفر مئات الآلاف من المستوطنين من بيوتهم الاستيطانية في الشمال والجنوب للابتعاد عن صواريخ ونيران المقاومة، وكيف تتعطل الماكينة الاقتصادية عن الإنتاج بسبب زج 360 ألفاً من جنود الاحتياط في ساحات المعارك وإيقاف أعمالهم، والكل يرى كيف توقف العمل عند المنظومات التعليمية والجامعية والأعمال الخاصة بسبب الشلل الذي انتشر في مرافق الجسم الاقتصادي والتعليمي والحيوي للكيان تسعين يوماً، والجميع في الكيان يدفع ثمن هذه الحرب من الفزع والعجز والانهيار المعنوي إلى حد بدأت تعلو فيه أصوات التنديد علناً من المستوطنين وأثناء سقوط صواريخ المقاومة بحكومة بنيامين نتنياهو وبقيادة الجيش وفشلها حتى الآن في إعادة الأسرى الإسرائيليين من يد المقاومة، ألا تدل هذه المظاهر بوضوح على هزيمة جيش الاحتلال وجيش المستوطنين المسلحين بعد استخدام كل طائراته ودباباته ضد القطاع وخوفه من الهزيمة أمام جبهة المقاومة اللبنانية التي دحرته وهزمته مرتين الأولى في عام 2000 والثانية في عام 2006.
اعترف الجنرال المتقاعد في جيش الاحتلال يتسحاق بريك في أكثر من مناسبة في الأعوام الماضية وبشكل علني بأن الجيش يعاني من «نقص الكفاءة القتالية» وبخاصة بعد عجزه عن تحقيق أهدافه منذ عام 2000 وانسحابه من جنوب لبنان، حتى عام 2005 يوم أجبرته المقاومة على نزع المستوطنات في قطاع غزة وسحب كل مواقع الجيش من هناك، وعام 2006 حين وجد نفسه عاجزاً عن احتلال كيلومترات من جنوب لبنان وعن إيقاف صواريخ حزب اللـه طوال 34 يوماً على مستوطنات الشمال، ويلاحظ معظم المحللين العسكريين في الكيان أن محور المقاومة هزم عدداً من رؤساء أركان جيش الاحتلال ورؤساء حكومات الكيان ومنهم إيهود باراك عام 2000 وكان معه بيني غانتس الذي كان قائد القوات التي نفذت انسحاب الهزيمة من جنوب لبنان، ثم أريئيل شارون الذي هزم عام 2005 وكان أول رئيس حكومة ينزع المستوطنات ومواقع الجيش أثناء انسحابه من قطاع غزة، ثم جاء إيهود أولمرت في تموز عام 2006 ليتكبد هزيمته أمام المقاومة اللبنانية ومحور المقاومة ويتعرض للمحاكمة من لجنة فينوغراد بسبب هزيمته وعجزه عن إيقاف صواريخ المقاومة طوال 34 يوما، وها هو نتنياهو ومعه بيني غانتس يترنحان أمام «طوفان الأقصى»، وليس من المبالغة الاستنتاج بأن معظم قادة الكيان السياسيين والعسكريين هم ممن هزمهم محور المقاومة منذ الثمانينيات حتى الآن بما في ذلك مناحيم بيغين واسحاق رابين وشمعون بيريس ولم يبق من هؤلاء المهزومين سوى بيني غانتس الذي كان نتنياهو نفسه قد عينه بمنصب رئيس أركان في شباط 2011 كحل وسط لأن يوآف غالانت لم يستحسنه البعض في هذا المنصب، وحين يصبح معظم هؤلاء ممن هزم في الميدان أمام المقاومة وفي مقدمهم الآن نتنياهو، فلم يعد هناك من نخب عسكرية أو سياسية جديرة بثقة المستوطنين، وربما لهذا السبب بدأت شخصيات عديمة الخبرة مثل ايتامار بن غفير وباتسليئيل سموتريتش من المتشددين المتدينين الصهيونيين تجمع من حولها أتباعاً من المتطرفين ولكن من دون أي قدرة على تغيير الضعف والتمزق الذي يخترق منظومة القيادة السياسية والعسكرية، وربما لهذا السبب أيضاً خافت واشنطن من هزيمة ساحقة لهذا الكيان فأرسلت لطمأنته وحمايته حاملتي طائرات وتشددت في دعم كل مذابحه التي ارتدت عليه وعليها بتنديد واسع غير مسبوق من معظم أرجاء العالم ضد الكيان وضد من يدعمه.
وبات الكيان يقترب من منحدر الهاوية بعد أربع هزائم متتالية خلال عشرين سنة وبعد أن استخدم كل أوراقه وأحرقتها المقاومة في طوفان الأقصى.