عادة ما تكون الانتخابات الرئاسية لأي بلد مسألة داخلية لا يهتم بها إلا شعب ذاك البلد، إلا أن الوضع مختلف عندما يكون هذا البلد أقوى بلد في العالم ومن يجلس على كرسي الرئاسة فيه لا يؤثر على سكانه فقط بل يؤثر على سكان العالم بأسره.
من هذا المنطلق يهتم العالم كله بالانتخابات الأميركية وينتظر الجميع ليرى من سيسكن البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة وكيف سيؤثر فكره وأجندته على باقي الدول، ولعلنا نحن في الشرق الأوسط من أكثر الشعوب تأثراً بساكن البيت الأبيض، ومع دخول الولايات المتحدة في السنة الانتخابية أصبحت الحملات الانتخابية تأخذ كل الاهتمام.
وبما أن الرئيس جو بايدن هو المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة فقد استهل العام الجديد بالإعلان في خطابه الانتخابي الأول لهذا العام قرب «فالي فورج» في ولاية بنسلفانيا أنه «منقذ الديمقراطية في الولايات المتحدة» على حد تعبيره، وأطلق الرئيس الأميركي تحدياً للإعلام والناخب الأميركي أنه لا يوجد بديل لانتخابه «فالبدائل الأخرى تعني الاستسلام لأحلك القوى في الولايات المتحدة والعالم».
حاول بايدن أن يشبه نفسه بالرئيس الأميركي جورج واشنطن الذي حشد القوات الأميركية في موقع قريب جداً من العدو إبان الثورة الأميركية ضد الاحتلال البريطاني مظهراً بذلك التحدي الكامل للإنكليز، وقال بايدن: «نعلم جميعاً من هو دونالد ترامب لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عنه هو: من نحن»؟
يقول مراقبون إن بايدن يحاول أن يثبت أن الانقسام الحاد داخل أميركا سببه الخطاب السياسي المتطرف لدونالد ترامب الذي جعل تعهدات بايدن بالشراكة بين الحزبين داخل الكونغرس مستحيلة الحدوث، وأن سيطرة ترامب على الحدث السياسي الأميركي جعل من المستحيل أيضاً على بايدن أن يفي بوعده بسياسة أكثر مدنية وسلمية.
لكن تركيز الرئيس على الديمقراطية لا يمكن فصله عن الخيارات والأزمات المحتملة التي يواجهها الكونغرس والحكومة المنقسمة في واشنطن في الأسابيع المقبلة، وكانت هناك أخبار جيدة مفادها أن زعماء مجلس النواب ومجلس الشيوخ قد توصلوا إلى اتفاق بين الحزبين بشأن مستويات الإنفاق الحكومي الإجمالية لعام 2024، لكن الاتفاق، الذي من المرجح أن يواجه مقاومة من أعضاء الحزب الجمهوري الأكثر تطرفاً، لا يحسم المعركة حول المساعدات لأوكرانيا إذ يطالب رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون واليمين الجمهوري، بسياسات هجرة صارمة كثمن لدعم أوكرانيا.
يرى البعض أن شعار «مستقبل الديمقراطية» في داخل البلاد وخارجها الذي رفعه بايدن في خطابه الانتخابي سيحول التركيز بعيداً عن القضايا الملحة كقضية المهاجرين مثلاً التي أصابت الكونغرس بشلل لمدة عقدين من الزمان، فهم يرون أن الاهتمام بهذه القضايا الملحة كقضية المساعدات لأوكرانيا كلها تصب في محور الدفاع عن الديمقراطية، فمثلاً إذا لم يصل الحزبان لاتفاق حول المساعدات لأوكرانيا يعني أن هذا سيعطل تحالف الديمقراطيات، وقالت النائب الديمقراطية عن ولاية نيو هامبشاير، إن كوستر: «لدينا جناح (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في الحزب الجمهوري الذي يؤدي إلى تآكل الدعم لأوكرانيا الديمقراطية، فهل سيسمح لجناح بوتين بالفوز؟ وهل يريد جونسون أن يكون مثل هذا «الانتصار» أول إنجاز كبير له كرئيس لمجلس النواب»؟
أشار أحد كبار مستشاري بايدن إلى أن «العنف السياسي معروض بطريقة تزعزع استقرار البلاد حقاً، وإن تشجيع التطرف في الفعل والقول هو جزء من إرث ترامب السياسي»، وأضاف: «عندما يكون هناك تهديد متطرف في البلاد، عليك أن تشير إليه بالاسم، عليك أن تقول ما هو».
بالنسبة لبايدن أصبحت الديمقراطية الآن أساس حملته، أنه بحاجة إلى جعلها محور الحجج التي ستعكر صفو واشنطن في الأسابيع والأشهر المقبلة، فالرئيس يعتزم توضيح أين يقع اللوم على الاضطرابات التي تعيشها البلاد.
كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية