اقتصاد

شركاء مضاربون!

| علي هاشم 

آخر الهلوسات الموصوفة التي ابتدعتها المخيلة المصرفية الحكومية، وأكثرها تطرفا، دلقتها إداراتها قبل أيام مستمزجة مرجعياتها في المصرف المركزي حول إمكانية تحويل موظفيها ممن ساهموا في تعميق أزمات مصارفهم عبر قروض تفتقر لضمانات موثوقة، إلى شركاء مضاربين في استردادها من خلال إغوائنا ببدعة جديدة أطلقوا عليها اسم «جودة العلاقة بين الزبون والموظف» عارضين علينا اقتناصها كفرصة لتحصيل بعض مما «أوكت أيديهم وما نفخت أفواههم»؟!
بمقترحها الصادم هذا، تثير المخيلة المصرفية الحكومية «الذهول» حيال قدرتها على القفز فوق الأبعاد الأخلاقية للوظيفة العامة، فبالنظر لما يستبطنه بين سطوره من أن قروضا متعثرة يمكن لمصارفنا المتعبة استعادتها إن نحن قبلنا بتقسيمها بين خزينة المصرف وجيوب بعض موظفيها، إنما تقول على الملأ إن ثمة أموالاً عامة كان قد منحها بعض هؤلاء على شكل قروض من دون ضمانات كافية لزبائن لصوص تربطهم بهم علاقات جيدة ولن يسددوها اليوم ما لم نعلن إذعاننا مجدداً لتلك «العلاقة الجيدة»!!.. في الواقع، ونظرا للضرورات المالية والقانونية التي يتطلبها تمكين الموظفين من قبض عمولتهم لقاء قبول المقترضين السداد، يمكن توقع حجم العمولات التي قبضها البعض في «لحظة الجودة بين الطرفين» إبان منحها؟!
حقاً، لا يدري المرء لم قد يتذكر في هذه اللحظات «المنشار» بشرهه للأكل: صعوداً ونزولاً؟!
خلال سني الحرب الخمس، وإلى ما قبل «المقترح المهزلة»، كان لنا أن نتعاطف مع مصارفنا الحكومية المكلومة جراء الحصار الاقتصادي عليها من جهة، وملاقاته بترهل وانعدام كفاءة موظفيها ممن لم يحصدوا نجاحا أعظم مما حققوه في «تقبيض الرواتب عبر الصرافات» من جهة أخرى!!.. أما اليوم، وبعد مقترح استثمار «جودة العلاقة» بين موظفيها وبين المقترضين «اللصوص» لاستعادة أموالها، فقد ظهرت مصارفنا وحيدة وأكثر مظلومية وتهديداً جراء رزوحها تحت جشع بعض موظفيها وشركائهم «اللصوص» الساعين جماعة لقرصنة أموالها، ولربما، وتبعا لذلك، فما كان ليجدر بالمصرف المركزي أن يتسرع في رفض «مقترح الجودة» نفسه، وكان من الأجدى أن يعيد إنتاجه ضمن صفقة عادلة ومتكاملة تعطي كل ذي حق حقه.
فبالنظر لما تسبب به الموظفون «جيدو العلاقة مع الزبائن اللصوص» من ديون متعثرة عبر موافقتهم على قروض بضمانات افتضحت جلسات البيع بالمزاد العلني التي أقيمت «أو ستقام» عدم كفايتها، فقد كان للمركزي -على سبيل الاقتراح المضاد- أن يعامل هؤلاء الجشعين بالمثل من خلال صياغة لوائح رسمية بالمقترضين «سيئي النية ورافضي التسديد» ممن لم تحقق جلسات البيع السابقة «واللاحقة التي قد تتم» لضماناتهم العقارية التغطية الكافية لما استجروه من قروض، ومن ثم تغريم أولئك «الموظفين الجيدين» بنسبة منها تساوي النسبة التي طالبوا بها في مقترحهم لـ«مساعدتنا» في استردادها من خلال «استثمار علاقتهم الجيدة» مع لصوص القروض أولئك، لا بل قد يجدر بالمركزي أيضاً احتساب هذه المبالغ آخذاً بالاعتبار تصاعد أسعار العقارات تبعا لنسب التضخم المعلنة بما لا يقل عن 500% قياساً بأسعار العقارات في 2011.
آنئذ فقط، يكون المركزي حكماً عادلاً ووصياً موثوقاً ومجسداً حقيقياً لمبدأ «الثواب والعقاب».. رفضه للمقترح «نفسه» لا يكفي، فثمة واجب عليه في غربلة من سنترك بين أيديهم مصالحنا في إعادة الإعمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن