من دفتر الوطن

أشقاء المعاناة

| حسن م. يوسف

أعتقد أن جمهورية جنوب أفريقيا قد أحسنت صنعاً إذ لم تشرك أي طرف عربي في الدعوى التي رفعتها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، بشأن الإبادة العرقية التي يمارسها الكيان السرطان بحق أهلنا في غزة، التي بدأت أولى جلساتها يوم الأربعاء الماضي. فعدم وجود أي طرف عربي، رغم دلالته المؤسفة، يضفي على القضية بعداً إنسانياً خالصاً، وخاصة أن شعب جنوب أفريقيا عاني قرابة نصف قرن نظام الفصل العنصري، وسيحتفل في السابع والعشرين من نيسان القادم بمرور ثلاثين عاماً على تحرير نيلسون مانديلا وانتخابه أول رئيس من أهل البلاد الأصليين.

أجمع المراقبون على أن مذكرة الادعاء التي سلمتها حكومة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية قد كتبت «بعناية فائقة ودقة شديدة، وتضمنت شرحاً وتحليلاً شاملاً ومفصلاً لكل الأفعال والأقوال التي تثبت ارتكاب «إسرائيل» أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين».

قدمت جنوب أفريقيا في دعواها التي تقع في 84 صفحة تحت عنوان «التعبير عن نية الإبادة الجماعية» تصريحاتٍ وتعليقاتٍ علنية لمسؤولين وجنود (إسرائيليين) وأعضاء في الكنيست وصحفيين. ومما وردَ فيها قولُ وزير التراث عميحاي إلياهو على حسابه في فيسبوك: «شمال قطاع غزة أجمل من أي وقت مضى، كل شيء يتم تفجيره وتسويته، متعة خالصة للعين. يجب أن نتحدث عن اليوم التالي».

كما وردَ فيها أيضاً ما قاله وزير الخارجية يسرائيل كاتس، على منصة «إكس»: «آمر جميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة على الفور، سنفوز، لن تصلهم قطرة ماء ولا بطارية واحدة حتى يرحلوا عن العالم».

وقول النائب عن حزب الليكود نسيم فاتوري عبر منصة «إكس»: «الآن لدينا جميعاً هدف مشترك واحد، محو قطاع غزة من على وجه الأرض».

صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي يعلو فيها الصوت الإنساني في وجه الكيان السرطان، فقبل ثلاثة أعوام أصدرت «هيومن رايتس ووتش» تقريراً من 213 صفحة بعنوان «تجاوزوا الحد»، خلص إلى أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان بحق الإنسانية، كما أعلنت منظمة العفو الدولية أن إسرائيل ترتكب جريمة «الفصل العنصري» بحق الفلسطينيين «وينبغي مساءلتها».

صحيح أن (إسرائيل) تعتبر نفسها فوق كل الدول وتحتقر القانون الدولي، لأن أميركا تبرر لها كل ممارساتها، لكن دعوى جنوب أفريقيا لن تمر مرور الكرام لأن اتفاقية الإبادة الجماعية لا تكتفي بتجريم مرتكب الإبادة بمفرده، وإنما تنص في مادتها الثالثة على تجريم ومعاقبة «كل من يتآمر أو يحرض أو يحاول أو يشارك فعلياً في ارتكابها».

صحيح أن الكيان السرطان متمرس في مجال الإفلات من العقاب، بفضل رعاية مرضعته أميركا، لكن للقوة عجزها، وأنا ممن يأملون أن تعرّي دعوى جنوب أفريقيا الصهاينة والمتصهينين الصامتين، والأميركان المشاركين، لأنها دعوى محرجة للجميع، وعلى رأسهم قضاة المحكمة أنفسهم لأنهم إن تخاذلوا وتجنبوا إدانة «إسرائيل» سيفقدون سمعتهم وستفقد المحكمة مصداقيتها ومبرر وجودها.

شكراً لأشقاء المعاناة في جنوب أفريقيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن