جنوب إفريقيا من التحرر إلى الحكم … محاولة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قلب نظام الفصل العنصري
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة دراسة بعنوان «أغانٍ وأسرار- جنوب إفريقيا من التحرر إلى الحكم»، تأليف باري غيلدر، ترجمة سوسن بدر، تقع في 479 صفحة من القطع الكبير، ومن خلال السيرة الذاتية للمؤلف تتناول هذه الدراسة محاولة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قلب نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وقيادة عملية التحول إلى الديمقراطية، فيأخذنا السيد غيلدر معه إلى معسكرات تدريب الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في أنغولا، ثم إلى موسكو من أجل التدريب الاستخباراتي وإلى الخدمة السرية في بوتسوانا وصولاً إلى التحديات التي تظهر أمامه في أثناء تقلده مناصب قيادية متعددة في أجهزة الاستخبارات وإدارة الحكومة الجديدة.
كما تبحث الدراسة في الحقائق الشخصية والسياسية والنفسية والتاريخية التي ولّدت جنوب إفريقيا الجديدة من دون أن يتوانى عن ذكر الظروف الدولية التي واكبت هذه الولادة أو عرقلتها.
وتجيب عن مجموعة من الأسئلة من خلال العين الفاحصة لعضو سابق رفيع المستوى في الاستخبارات السرية في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهي ما الذي آل إليه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بعد أن حاول استيعاب جميع الأحزاب الأخرى في الحكومة الجديدة ووسع قاعدته بهدف توحيد جميع القوى في مرحلة قلب نظام الفصل العنصري والانتقال إلى الديمقراطية؟ هل بدأ في التفكك؟ أم إن جذور هذه الاضطرابات تكمن في الديناميكية العالمية التي مكنت جنوب إفريقيا من الحصول على حريتها؟ وتمت كتابة هذه الرواية بأسلوب قصصي وسينمائي مما يوفر لمحات عن الأحداث الصغيرة والكبيرة التي ميزت رحلة المؤلف عبر العقود الثلاثة من التاريخ والتي قادت جنوب إفريقيا وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى مواجهة التحديات اليوم.
أهم الأحداث
يبدأ الكاتب دراسته باستعراض أهم الأحداث التي عاشتها القارة الإفريقية بدءاً من عام 1979، فيذكر: «في 17 أيلول وقع الرئيس المصري أنور السادات والإسرائيلي مناحيم بيغن اتفاقية سلام بعد أن أمضيا ثلاثة عشر يوماً مع جيمي كارتر في «كامب ديفيد». وفي 28 أيلول توفي البابا يوحنا بولس الأول بعد أربعة وثلاثين يوماً فقط في المنصب، وفي اليوم التالي استلم بي دبليو بوتا المنصب من جون فورستر ليصبح رئيس وزراء جنوب إفريقيا. في تشرين الأول قام وفد من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة أوليفر تامبو بزيارة فيتنام لأخذ دروس من أجل ثورة جنوب إفريقيا. وفي 16 تشرين الأول استلم أحد الكاردينالات من بولندا الاشتراكية ليصبح البابا يوحنا بولس الثاني، وفي آخر عام 1978 اجتمعت قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي في أنغولا من أجل التخطيط لإستراتيجية تشغيلية جديدة بالاستفادة من الدروس التي جرى تعلمها في زيارة فيتنام».
ويكشف غيلدر أنه في 7 كانون الأول من عام 1979 سقط نظام بول بوت في كمبوديا، وفي اليوم التالي الذي صادف الذكرى السابعة والستين لتأسيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أعلن الحزب أن عام 1979 هو «عام الرمح» تكريماً للذكرى المئوية لهزيمة قوة بريطانية في آيساندلوانا الواقعة في المكان الذي كان يسمى آنذاك «مستعمرة ناتال».
رحلة سرية
ويتحدث المؤلف عن ذكرياته في عام 1980 عندما كان مسافراً من لوساكا إلى موسكو، ويقول: «في الواقع أفكاري هي نوع من الترقب المتحمس للوصول إلى عاصمة الثورة، والشوق لما سأكتسبه من مهارات لخدمة ثورتنا، ألقي عيني على الركاب الآخرين في الطائرة، أتساءل عما إذا كان أي شخص يدرك أنه يسافر بصحبة أحد رجال حرب العصابات المدربين حديثاً، الخارج مؤخراً من أدغال أنغولا وهو متشوق ومفعم بالإحساس بالأهمية وبالهدف الذي يرنو إليه، ونعم ببعض الرومانسية. أتساءل بالمقابل من يمكن أن يكون رفاقي الركاب. ربما هم ضباط من الجيش السوفييتي يعودون إلى ديارهم من مهمة عمل في الأدغال الأنغولية لمساعدة الجيش الأنغولي ضد غزو قوة دفاع جنوب إفريقيا، أو من تدريب لحركة التحرير في ناميبيا، وربما يكونون مسؤولين في الحكومة الأنغولية في طريقهم إلى موسكو لإجراء محادثات دبلوماسية… ، أنا بالتأكيد لا أرى أياً من رفاقي في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وهذا لحسن الحظ لأن رحلتي إلى موسكو سرية للغاية».
جهاز الاستخبارات
ويتطرق الكاتب في دراسته إلى جهاز الاستخبارات السرية في جنوب إفريقيا ويبين أنه قبل عام 1994 كان مجتمع الاستخبارات يتألف من مجموعة أجهزة استخباراتية نظامية وغير نظامية.
ويوضح غيلدر أنه في الجانب النظامي كان اللاعب الرئيس في ذلك الوقت هو جهاز الاستخبارات الوطنية التابع لنظام الفصل العنصري وهو الجهاز المدني الذي يتمتع بكلا التفويضين المحلي والأجنبي، منوهاً بأنه اكتسب هيمنته بين أجهزة حكومة الفصل العنصري تحت قيادة «إف دبليو دو كليرك» ولعب دوراً رئيساً في قيادة المفاوضات التي أدت في النهاية إلى رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
ويشير إلى أنه في الجانب غير النظامي كان هناك إدارة الاستخبارات والأمن التابعة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي التي ركزت في المقام الأول على تأمين المعلومات الاستخباراتية لدعم الأعمال المسلحة وجهاز الأمن التابع لمؤتمر عموم الأفارقة.