رياضة

كرة القدم السورية في عام (4) … قواعد كرتنا مهملة والمسؤولية تقع على عاتق الأندية … دوري الدرجة الأولى عشوائي ويجب تغيير أسلوبه

| ناصر النجار

بناء الكرة يبدأ من القواعد، وكلما كانت القواعد سليمة وتسير ضمن منهاج علمي صحيح كانت الأمور بخير وينعكس ذلك على كرة القدم بشكل عام، ومشكلة الكرة السورية تبدأ من الأندية التي أدارت ظهرها للقواعد ولهثت وراء الاحتراف المزيف ولم تجن من ذلك إلا هدر الوقت وإضاعة المال.

وهذا الإهمال انعكس سلباً على المنتخبات الوطنية لأن الأندية لم تعد قادرة على ردف المنتخبات باللاعبين المواهب الذين ساروا على الفطرة وهم يستحقون العناية الكاملة، وإهمال القواعد جعل من دوري الرجال دورياً عجوزاً فأغلب فرقنا بات متوسط أعمارها ثلاثين عاماً أو يزيد، وكما نلاحظ هناك فراغ كبير في الكثير من المراكز بالمنتخبات الوطنية لعدم وجود لاعبين جدد مصقولين قادرين على سد الفراغ الذي يشغله اللاعبون من كبار السن.

وهذه القضية يجب أن يتصدى لها اتحاد الكرة بالكثير من الضوابط حتى لا تسرف الأندية في الإنفاق على رجالها وتدع بقية الفئات للزمن، ولعل تجربة فريق أهلي حلب في هذا الموسم أكثر من جيدة بغض النظر عن النتائج المحققة، فزج مجموعة من الشباب بفريق الرجال يبدو أمراً حسناً، لأن هؤلاء سيكتسبون الخبرة يوماً بعد يوم وسيحصدون النتائج المرجوة في قادم الأيام وربما في الموسم القادم، وسيكون لهم شأن كبير إن وجدوا العناية والرعاية الكاملة.

يتحمل اتحاد كرة القدم مسؤولية في هذا الشأن من خلال أسلوب الدوري الذي يتبعه مع الفرق القاعدية فشكل الدوري غير منطقي لأنه لا يطور اللاعب، وهذا ينطبق على الدوري الأولمبي والشباب الذي جاء على مجموعتين وبالتالي فإن اللاعب لن يخوض أكثر من عشر إلى خمس عشرة مباراة في الموسم الواحد، وهذا العدد من المباريات قليل ولا يبني لاعباً ولا يصنع موهبة، لذلك لابد من إعادة أسلوب الدوري وجعل مبارياته أكثر، وحجة الأندية بعدم توافر المال لهذه الفئات هي حجة غير مقنعة، لأنها تصرف العير والنفير على فرق الرجال، ومن كان قادراً على التعاقد مع محترفين، فسيكون قادراً على الإنفاق على فرق القواعد، ولو حوّلت الأندية عشرة بالمئة مما تصرفه على الرجال إلى الفرق الصغيرة لكان أفضل وأجدى لأنديتنا وكرتنا.

المشروع الرائد

مشروع تطوير الكرة السورية الذي بدأه اتحاد الكرة في الموسم الماضي هو مشروع رائد بكل تفاصيله المكتوبة على الورق، لكن مع التطبيق العملي وجدنا الكثير من الثغرات والعقبات التي اعترضت سير المشروع.

كفكرة هو جيد ويجب الاستمرار به، لكن ليس على الشكل الذي رأيناه في الموسم الماضي، الملاحظات المسجلة على المشروع كثيرة، ورغم محاولات اتحاد كرة القدم (إعطاء الخبز لخبازه) إلا أننا علمنا أن بعض الأصابع تدخلت في بعض الأمور وكنا نتمنى أن تسير الأمور بخطا سليمة كما كان مقرراً لها.

على العموم إن أراد اتحاد كرة القدم إعادة التجربة فلابد له من تأهيل الكوادر الإدارية والفنية، فهناك الكثير من مدربينا بحاجة إلى تأهيل في اختصاص تدريب القواعد وكذلك فإن العمل الإداري مهم ولابد من دورات اختصاصية لنلمس أن العمل الإداري بخير ويسير ضمن الأصول والمطلوب منه، ومثل ذلك المنسقون وغيرهم.

ونبخس هذا المشروع الحيوي حقه، ولا نبخس أصحاب الفكرة والذين عملوا فيه، ولكن لابد من دراسة معمقة للمشروع في موسمه الأول على أمل أن يتم تلافي كل الأخطاء والعثرات التي حصلت.

دوري مزدحم

دوري الدرجة الأولى مزدحم بفرقه التي تبلغ 28 فريقاً، وفي كل موسم يجب أن يواجه هذا الدوري بعض المنغصات، ومنها الموسم الماضي بعد أن انسحب فريق الشعلة من المنافسات قبل انطلاق الدوري.

ومن المنغصات أن اتحاد كرة القدم ألغى الهبوط في الموسم الماضي لأسباب قدرها بنفسه من دون أن يطلع أحداً عليها أو أن يصدر بياناً يشرح فيه وجهة النظر بذلك، المهم أن الدوري ارتفع عدده وصارت كل مجموعة من المجموعات الأربع تضم سبعة فرق.

كما كل موسم علينا أن نشاهد بعض الفرق تتخلف عن المشاركة أو عن المتابعة، والمفاجأة هذا الموسم أن فريق المحافظة اعتذر عن المشاركة فكان قرار لجنة الانضباط والأخلاق هبوطه إلى الدرجة الثانية مع غرامة بلغت خمسة ملايين ليرة سورية، الدوري لم ينته بعد والأمل ألا نشهد انسحابات أخرى بفرق الرجال.

على مستوى فرق شباب هذا الدوري فقد اعتذر شباب عفرين عن استكمال الدوري ولحقه بالاعتذار فريق شباب الصنمين، وفي سبب كلا الاعتذارين عدم توفير المال اللازم لاستكمال الدوري، وخصوصاً أن الفريقين لم يحققا في الدوري أي فوز، وهما عملياً هابطان إلى الدرجة الثانية، فآثرا الابتعاد ضغطاً للنفقات من باب التوفير.

الغلبة في الموسم الماضي كانت لفرق المجموعة الشمالية على حساب فرق المجموعة الجنوبية، فتأهل الحرية والساحل عن الشمالية والمحافظة والتل عن الجنوبية، الحرية تجاوز التل بمباراتي الذهاب والإياب 1/صفر و2/1 وفاز الساحل على المحافظة بهدف وحيد في كلا المباراتين، فتأهل الحرية والساحل ليحلا مكان المجد والجزيرة الهابطين إلى الدرجة الأولى.

وصعد من الدرجة الثانية إلى الأولى فرق: شهبا وشرطة طرطوس والحوارث والهلال.

في التوصيف العام لهذا الدوري نجد أنه دوري هاو، وأغلب فرقه من الفرق الريفية والفقيرة، وبعضها من الأندية العريقة التي كان لها صولات وجولات بدوري الكبار فيما سبق من زمن مضى، لكن ظروفها حالت دون استمرارها مع الكبار فهبطت واستطاب لها المقام في هذا الدوري.

المشكلة الرئيسية التي تعترض هذا الدوري أنه لا يؤهل الفرق بشكل عملي إلى الدرجة الممتازة، والفرق المتأهلة إلى الدرجة الممتازة تواجه عقبات كثيرة في التحول من الهواية إلى الاحتراف، سواء على صعيد المال أو على صعيد الكوادر أو على صعيد اللاعبين، لذلك فإن أي فريق يصعد من الدرجة الأولى إلى الممتازة لا يصمد بين الكبار ولا يلبث أن يعود سريعاً من حيث أتى إلا من رحم ربي، وإن صمد موسماً فسيعود في الموسم الذي يليه، وهذا وجدناه تماماً في أندية المجد والجزيرة والساحل والمحافظة والحرية وعفرين والنواعير وحرجلة، ولنتأكد من هذا الكلام، علينا أن ننظر إلى هذا الموسم، فنلاحظ كيف هي الصورة التي ظهر عليها فريقا الحرية والساحل وقد احتلا المركزين الأخيرين بنهاية مرحلة الذهاب، وكما نلاحظ فإن الفريقين دعما صفوفهما بلاعبين محترفين وكانوا كُثراً في نادي الساحل، لكن على ما يبدو ما زالت آثار الهواية عالقة بدم الفريقين وهما اليوم أكثر الفرق تهديداً بالعودة إلى الدرجة الأولى.

وكما هو معلوم فإن شرف المشاركة في الدوري الممتاز الذي كان مقصد العديد من الفرق تحول إلى عكس ذلك وصارت الفرق تهرب من هذا الدوري نظراً لتكاليفه المالية المرهقة والتي تعجز عنها ميزانيات الأندية.

وهذه الفرق باتت غايتها القصوى الانتقال إلى الدور الثاني ثم التوقف عند حدوده، وعدم المغامرة بولوج الدوري الممتاز، ونذكر من هذه الأندية: النواعير وحرجلة وعفرين والمحافظة.

أوضاع صعبة

فرق دوري الدرجة الأولى على ثلاثة طوابق، طابق يدخل الدوري من باب المنافسة، وطابق يدخل الدوري من أجل إثبات الذات والبقاء وطابق أخير يجتهد في سبيل عدم الهبوط إلى الدرجة الثانية.

ودائماً فإن هذا الدوري له عمود فقري عبر أندية مقيمة فيه، فهي غير قادرة على المنافسة للتأهل إلى الدرجة الممتازة ومستواها لا يؤهلها للهبوط، ومن هذه الأندية: حرجلة والتل والكسوة واليقظة والنبك وعفرين والجهاد والجزيرة وشرطة حماة وعمال حماة والحوارث ومورك والعربي.

الفرق المهددة على الدوام بالهبوط هي: معضمية الشام وجرمانا ودوما وصبيخان والتضامن والنيرب، وهناك فرق جديدة كشرطة طرطوس وشهبا لا نستطيع تقييم مستواها حتى ينتهي الدوري وهما ضيفان جديدان عليه.

أما فرق هذا الموسم والتي اعتادت على دخول خط المنافسة على التأهل إلى دوري الممتاز فهي فرق: النواعير والشرطة والمجد والشعلة والهلال وخطاب.

الملاحظ أن أغلب هذه الفرق تفتقد إلى الإمكانيات الفنية والإدارية والمالية وبعضها عبارة عن أندية بسيطة لا تملك مقرات أو منشآت أو استثمارات وتعيش على التبرعات والهبات وبعض المحبين.

وهذا كله لا يصنع كرة قدم حقيقية، وإذا نظرنا إلى واقع هذه الأندية لوجدنا أن لاعبينا أغلبهم من اللاعبين الذين انتهت مدة صلاحيتهم الكروية، أو من لاعبي الأحياء الشعبية، والنادي المحظوظ هو الذي يحصل على لاعب لم يجد له مكاناً في الدرجة الممتازة، أو لاعبين لم يتفقوا مع أنديتهم كما حدث مع نادي النواعير الذي غادره عدد من اللاعبين إلى أندية الجوار، وكما حدث مع نادي المحافظة الذي اعتذر عن المشاركة في الدوري هذا الموسم فانتقل لاعبوه إلى أندية أخرى.

هذا الدوري بشكله الحالي غير مجد بأسلوبه ولا يمكننا اعتباره رديفاً للممتاز ولا منبعاً لكرة القدم، وللأسف تفتح هذه الأندية أبوابها شهري الذهاب والإياب مع شهرين من التحضير ثم تغلق أبوابها للموسم الذي يليه، وأغلب الأندية لا تلعب أكثر من 12 مباراة في الموسم، فكيف سيتم تطوير الكرة في هذه الأندية؟

الحلول أن يتم اختصار هذا الدوري ويصبح عدده وأسلوبه كالدوري الممتاز، والنادي الذي لا يستطيع تحمل دوري محترم وطويل عليه أن يعتذر عن المشاركة، فالمشاركة في هذا الدوري لمن يستطيع إليه سبيلاً، بقية الأندية يمكن أن تلعب ضمن محافظاتها، على أن يكون نظام التأهل مقبولاً ومنطقياً.

الغاية من المسابقات الرسمية تحريك الأندية من ركودها وتطوير كرة القدم، وكم هو جميل لو تم فرض قيود على هذه الأندية بمنع اللاعبين الذين تجاوزوا الثلاثين من التوقيع معها لتُجبر هذه الأندية بالاهتمام بجيل الكرة الجديد.

الملاحظة الأخيرة التي نوردها أن أغلب الملاعب التي تقام عليها مباريات دوري الدرجة الأولى ملاعب غير صالحة البتة كملعب عرطوز وجرمانا والمجد والنضال وكفرعايا والمدينة الرياضية الصناعي وغيرهما من الملاعب الصناعية، ولأن الدوري يقام وسط الأسبوع فعلينا إيجاد الملاعب الصالحة لنضمن بيئة كروية قادرة على النهوض والتطوير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن