قضايا وآراء

أصبحت الصين مصنع أسواق العالم!

| الدكتور قحطان السيوفي

ارتبط اسم الصين خلال العقود الأخيرة بالإنتاج الكثيف والرخيص، وحققت نهضة اقتصادية كبيرة لتسمى بجدارة «مصنع أسواق العالم».

لقد أخرجت تلك النهضة ملايين الصينيين من براثن الفقر، والعملاق الآسيوي سائر نحو احتلال مكانة رائدة في الإنتاج التقني التكنولوجي، ورفع مستوى دخل مواطنيه ومساهمتهم بالناتج الإجمالي، ما يؤكد رأي معظم المحللين، بأن الصين أصبحت مصنع أسواق العالم.

يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ48 لتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج في الصين، وقد اتبعت الصين إستراتيجية أكثر استباقية للانفتاح خلال العقد الماضي، ما عاد بنفع كبير على الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الصين مثل فولكس فاجن.

وواصلت الصين خلال السنوات الماضية الانتقال من «الانفتاح على تدفق السلع والعوامل» إلى «الانفتاح المؤسسي» في مجالات القواعد واللوائح والإدارة والمعايير، وكان ذلك خطوة رئيسية وحاسمة للتنمية الصينية، وارتفعت حصة الصين الاقتصادية في إجمالي الاقتصاد العالمي من 12,3 بالمئة إلى أكثر من 18 بالمئة، ما ساهم بأكثر من 30 بالمئة في النمو الاقتصادي العالمي على أساس سنوي، وكانت الصين دوماً محركاً مهماً للنمو الاقتصادي الدولي، في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تعافياً بطيئاً.

تعتبر الصين أكبر مصدر للسلع، فقد ارتفعت حصتها في السوق الدولية إلى 14,7 بالمئة في عام 2022، ومنذ بداية 2023 أثارت السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والخلايا الشمسية الصينية زخماً جديداً في النمو الاقتصادي العالمي، وقد جاء في صحيفة «فايننشال تايمز» أن «الصين تحرم الغرب من النوم، وسياراتها الكهربائية تغرق الأسواق».

الصين حققت تقدماً هائلاً في العقود الأخيرة، وانطلقت لتصبح واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، فيعتمد العديد من الشركات العالمية على الإنتاج في الصين نظراً لتكلفتها المنخفضة والتقنيات المتقدمة التي تتوافر فيها، والتزام الصين بالانفتاح على العالم الخارجي وبناء اقتصاد عالمي مفتوح، جلب بعداً جديداً لنظام الحوكمة العالمية.

تعتمد السياسة الصينية بشكل كبير على التوسع الاقتصادي في الدول الأخرى، ويتمثل ذلك في استثمارات كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك التكنولوجيا والبنية التحتية، وتعتبر الصين من أكبر الدول المنتجة لتكنولوجيا المعلومات في العالم، وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تطوراً سريعاً في هذه الصناعات، ما جعل الصين محط أنظار العالم.

مع تزايد التفاعل الاقتصادي العالمي، واجهت الصين توترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول بسبب قضايا مثل التجارة العادلة وحقوق الملكية الفكرية.

المشهد يشير إلى أن مدينة دونغقوان في مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين فازت بلقب «مصنع العالم» وذلك بفضل تميزها من حيث مؤسسات التصنيع وحجم التجارة الخارجية، وهي المدينة المزدهرة في ميادين التكنولوجيا الفائقة والطاقة الجديدة والإبداع، وتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي تريليون يوان، وهو حوالي 140,62 مليار دولار أميركي، وتعتبر الصورة النمطية لمصنع ضخم للهواتف المحمولة والملابس، وفيها مشروع للعلوم والتكنولوجيا على المستوى العالمي، وهو مصدر تشظي النيوترونات الصيني. منذ آب عام 2018.

المدير العام للمشروع يوضح أن مصدر تشظي النيوترونات يساعد في دراسة البنية المجهرية لبعض المواد للكشف متى يجب تغيير أجزاء القطارات عالية السرعة لتجنب الحوادث الناجمة عن تهالك المواد؟

«جرينواي تكنولوجي» شركة رائدة في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون لوسائل النقل الصغيرة وتطبيقات تخزين الطاقة مثل الدراجات النارية الكهربائية والطائرات من دون طيار والروبوتات الذكية ومعدات الصوت، وبفضل التخطيط الجيد حافظت الشركة على حصة 20 في المئة من السوق الأوروبية.

بشكل عام، تواجه السياسة الاقتصادية الصينية العديد من التحديات، مثل التزايد في مستويات الدين، ومشكلة التلوث البيئي، والتوترات التجارية الدولية، كما تشهد العلاقات الاقتصادية الأميركية الصينية توتراً دائماً؛ وتعود جذور الخلافات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة إلى فترة طويلة من التبادل التجاري والتنافس، وتصاعدت هذه الخلافات بسبب مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالتجارة والاستثمار والملكية الفكرية.

واحدة من الخلافات البارزة بين الصين والولايات المتحدة هي الحرب التجارية التي بدأت في عام 2018، وبدأت هذه الحرب بفرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة من كلا البلدين، هذا التصاعد في التوتر التجاري أثر بشكل كبير على الأسواق العالمية وأثار مخاوف من حدوث ركود اقتصادي.

أثرت الحرب التجارية على الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية، مثل صناعة التكنولوجيا والزراعة، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين البلدين، ما أثر على النمو الاقتصادي، ولكن وعلى الرغم من الخلافات، فإن الدولتين تجريان محادثات دورية لمحاولة حل النزاعات الاقتصادية، لكن الاتفاقيات بقيت مجرد تفاهمات على إدارة الاختلافات وقائمة على التنافس، وأثر ذلك على الاقتصادين العالمي والإقليمي.

بالمقابل، إن سباق السيطرة على العالم بين الصين والولايات المتحدة، هو أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم اليوم.

إن توظيف الصين ما يقرب من 776 مليون شخص، جعلها واحدة من أكبر القوى العاملة في العالم، أما الولايات المتحدة فتوظف نحو 160 مليون شخص.

وتظهر الصين معدلات نمو أعلى من الولايات المتحدة، وهذا يعكس قوة اقتصادها النامي وقدرتها على التنافس الدولي، كما تُظهر الصين استدامة ارتفاع حجم التجارة الخارجية، ما يشير إلى دورها الكبير في الأسواق العالمية.

هناك تنافس شديد بين البلدين في مجالات متعددة، والصين تظهر نمواً قوياً وتأثيراً اقتصادياً متزايداً، في حين تحتل الولايات المتحدة موقع الريادة فيما يتعلق بحجم الناتج المحلي الإجمالي، وتعكس هذه المقارنة القوة الاقتصادية لكل منهما وتحدياتهما المستقبلية.

اقتصاد جمهورية الصين الشعبية هو ثاني أكبر اقتصاد، بناتج إجمالي يقدر بـ8,8 تريليونات دولار عام 2009 حسب مقياس تعادل القدرة الشرائية، وتعدّ الصين بذلك أسرع اقتصاد كبير ونامٍ والأسرع في الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي يتخطى الـ10 بالمئة. قلص نمو الناتج القومي للفرد الفقر بمعدل 8 بالمئة سنوياً في العقود الثلاثة الأخيرة.

الصين هي أكبر دولة تجارية وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، يبلغ معدل دخل الفرد فيها نحو 6100 دولار، على حين يبلغ معدل البطالة 4 بالمئة في العام 2008.

ويبلغ حجم الاحتياطات النقدية للصين 2,3 تريليون دولار ووصل معدل نمو الإنتاج الصناعي 10,7 بالمئة، على حين بلغ حجم الصادرات عام 2008 1,465 تريليون دولار وحجم الواردات 1,156 تريليون دولار.

ختاماً شهدت الصين نمواً اقتصادياً سريعاً منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وخاصة منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج عام 1978، حيث ظل الاقتصاد الصيني ينمو بصورة مستقرة وسليمة، وفي كل بيت في العالم توجد أداة «صنعت في الصين» لتنتزع الصين بجدارة لقب مصنع أسواق العالم.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن