من دفتر الوطن

«من غير ليه..»

| عصام داري

نراهن كل صباح على أن يومنا هذا سيكون أفضل من الأمس، نكسب الرهان حيناً، ونخسر أحياناً وننتظر الغد لندخل في رهان جديد، وأمل جديد، وإشراقة شمس تبعث الدفء في أوصالنا المتعبة.

لا شيء أجمل من حلم يولد من رحم حلم آخر بعد مخاض عسير مع الكوابيس وموجات التشاؤم التي كادت توصلنا إلى حافة اليأس والكآبة والإفلاس الفكري والمادي، لكن أحلامنا تنقذنا في آخر المطاف، وتحملنا إلى شاطئ التفاؤل وبر الفرح الدائم الخضرة.

هكذا الأيام: رهانات وأحلام وكوابيس، أمل ويأس، فرح وحزن، ولولا الحزن لما عرفنا معنى السعادة والفرح، ولا نعرف الحلو إن لم نتذوق المر، هكذا هي الحياة وجميع الناس سيشربون من الكأس نفسها.

أقف دائماً على بوابات الحلم أرسم لوحات الأمل وأخربش على حيطان الزمن الصلبة والقاسية قصائد فرح لا بد أنه آتٍ بعد غياب طال.

الأيام ضغطت على صدورنا حتى كاد الموت يسحبنا إلى عوالمه البعيدة المجهولة، لكن إرادة الحياة، وعشق الدنيا ومباهجها وأعراسها وأفراحها، جعلتنا نتحدى الموت وننتصر على هجمات الظلام والعتم المصنوع في عصور الجهل واغتيال العقل.

حلمنا بعالم مسحور عندما كنا صغاراً، وها نحن نعود لنحلم به كباراً عله يكون الوصفة التي تخرجنا من عالم مهزوم ومأزوم إلى عالم حقيقي عنوانه الحب والإشراق، وصفة قد تكون العلاج لأمراضنا والتئام جراحنا فقد اكتفينا من الجراح وما عاد جسدنا يتسع لطعنة جديدة.

العالم المسحور، وقصة بدر الدجى والأميرة السجينة في قلعة شاهقة صعب الوصول إليها، لكن البطل الهمام يذلل الصعاب وينقذ أميرته من عذاب السجن الذي فرضه عليها والدها، وتنتهي الحكاية كالأفلام العربية بنهاية سعيدة.

قصص كثيرة سمعناها من جداتنا وأمهاتنا، وقرأناها في قصص ألف ليلة وليلة، ومن ثم أمضينا معظم حياتنا ونحن نحلم بهذا العالم المسحور، وبأميرة سجينة نحلم بأن نحررها لتأتي النهاية السعيدة.

لكن عالمنا المسحور بقي حبيساً في الحكايات والقصص الخرافية، في حين دخلنا سجن الحياة مجبرين، وسنخرج منه مجبرين، وما بين البداية والنهاية حياة مصبوغة بكل الألوان، محكومة بالأمل حيناً، وباليأس أحياناً.

قصة رهاناتنا لا تنتهي، لكن أغربها أننا نراهن على الخرافات، تارة بقراءة الفنجان، وتارة أخرى بالذهاب إلى المنجمين، والإصغاء إلى ما يقوله لك برجك هذا اليوم، أو هذا العام، وكذب المنجمون ولو صدفوا!.

الغريب أن رهاناتنا لا تقترب إلا نادراً من واقعنا، كأن نراهن على الحصول على عمل مفيد لنا وللآخرين، أو على استثمار الوقت بما ينعكس إيجابا علينا، أو أي رهان إيجابي وليس على الخرافات والأمور المستحيلة التحقيق.

على الرغم من كل ذلك، سأظل أراهن على الغد الآتي وأتصور أنه أفضل، أو بعبارة صارت دارجة: «بكرا أحلى» لكن لماذا هذا الرهان اليومي؟ بصدق لا أعرف، ولا أظن أن المراهنين على أن بكرا أحلى يعرفون سبب رهانهم، وربما تأتي الإجابة من الموسيقار محمد عبد الوهاب في أغنيته التي تقول: «من غير ليه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن