«الدبلوماسية الثقافية» في ندوة حوارية بضيافة المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين … مشوح: علينا تسخير البعد الثقافي لخدمة أغراض الدولة وبما يخدم رسالتنا الوطنية الثقافية
| سيلفا رزوق
اعتبرت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح أن الدبلوماسية الثقافية تعبر عن تطور العمل السياسي للدولة فكراً ومنهجاً وهي محفز للدبلوماسية للخروج من الأطر التقليدية والسياسة التقليدية واللجوء إلى وسائل أكثر ذكاء مشيرة إلى أن الثقافة هي القوه الناعمة التي تستعمل لرسم الفكر ونشر المفاهيم وتكريس أنماط حياة، وهذا النمط في الدبلوماسية هو ما لجأت إليه العولمة الثقافية لتسهيل الغزو الفكري ومن ثم الغزو الاقتصادي في العالم تماماً كما استشعرنا ذلك من خلال الصناعة السينمائية والفنية عموماً، وفي أنماط الاستهلاك الغذائي والتعابير الفنية بأنواعها.
وخلال الندوة التي أقامها المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين والتي حملت عنوان «الدبلوماسية الثقافية» لفت مدير المعهد السفير عماد مصطفى إلى أن تحقيق مستويات أعلى من الدبلوماسية الثقافية مهم جداً ولاسيما في ظل الحصار لأنه بوساطة الدبلوماسية الثقافية نستطيع فتح الكثير من النوافذ والمعابر والبوابات المغلقة.
ماذا نريد من الدبلوماسية الثقافية؟
وزيرة الثقافة وخلال الندوة بينت أنه لابد لنا من أن تركز الثقافة كهوية للشعوب على الرغم من أن شعوب الأرض دخلت في العولمة الثقافية، لكن الآخرين الذين يحاولون السيطرة على الشعوب ما زالوا يركزون على ثقافة كل شعب على حدة، لأن التركيز على هذه الثقافة أسهل وأسلس وأكثر فعالية، حيث يتحدثون عن ثقافتك ثم يتغلغلون في هذه الثقافة ويفرضون أنماطاً جديدة للدبلوماسية الثقافية.
واعتبرت أنه يجب أن نسخر البعد الثقافي لخدمة أغراض الدولة ونركز على ما يخدم رسالتنا الوطنية الثقافية وهذا بالدرجة الأولى مهمة وزاره الخارجية.
وقالت: «التطلع لتحقيق مستويات أعلى للدبلوماسية الثقافية هام جداً ولاسيما في ظل الحصار لأنه بوساطة الدبلوماسية الثقافية نستطيع فتح الكثير من النوافذ والمعابر والبوابات المغلقة، لذلك الثقافة والمكونات الثقافية توضع في خدمة السياسات».
ماذا عن الدبلوماسية الثقافية السورية؟
مشوح اعتبرت أنه على هذه الدبلوماسية الثقافية أن تبرز الصورة الحقيقية والمشرقة ومكونات البنية الثقافية السورية بما تحمله من عمق حضاري فنحن لسنا دعاة لتعصب أو انغلاق وتاريخنا العريق أكبر دليل على ذلك، مبينة أنه على الدبلوماسية الثقافية السورية الترويج للتراث الثقافي المادي واللامادي على اعتبار أنه دليل ملموس على هذه العراقة وهذا الغنى.
وأضافت: «سورية كانت موطناً للحضارات وللرسائل السماوية وتعاقبت عليها 40 حضارة وفيها4500 موقع أثري، وبداية الزراعة ظهرت في شمال شرق سورية، وسورية أهدت العالم أبجديتها الأولى وظهرت فيها أول مدونة موسيقية في التاريخ، وهذا العمق الحضاري يؤكد أننا شعب حضارة وكل النوائب التي يمكن أن تمر علينا زائلة وأننا سننهض من جديد ونستعيد ألقنا الحضاري، فهناك بعد ثقافي حضاري لسورية وهناك بعد ثقافي ديني روحي».
وأشارت مشوح إلى أن سورية هي أيضاً منجز حضاري حديث فنحن لا نفاخر فقط بمنجزنا الحضاري القديم إذ منجز حضاري حديث وعلينا إبراز أهم ما فيه من فكر وأدب وإبداع وصناعات إبداعية فنية وسينمائية ومسرحية، والدولة تدعم الثقافة ونادراً ما يوجد دولة في العالم تنفق على الثقافة وتريد تحويل الثقافة من عنصر تنموي إلى محرك اقتصادي حقيقي عبر مشاريع أهمها مشروع دعم الصناعات الإبداعية.
مشوح اعتبرت أن على الدبلوماسية الثقافية السورية أن تستثمر في المراكز الثقافية التي ظلت مفتوحة رغم الحرب على اعتبار أنها نافذة، لأن الحرب والحصار أغلقا كل النوافذ فيما بقيت النافذة الثقافية التي سمحوا لنا من خلالها بالإطلال على العالم وسمحوا للآخرين بأن يتعاملوا معنا في الشق الثقافي وكأنهم يقللون من قوة ثقافتنا وقدرتنا على تسويق منتجنا وتسويق فكرنا، وقالت: «علينا الاستفادة من الإقبال الكبير من الدول الأخرى على منتجنا الثقافي فهدفنا تصحيح صورة سورية والسوريين بما يتناسب مع حضارتها وإظهار الدولة كراع كبير للمنتج الثقافي».
استعادة القطع الأثرية المنهوبة مهمة الدبلوماسيين أيضاً
وزيرة الثقافة تحدثت عن الأضرار الكبيرة التي ألحقها الإرهاب بالتراث المادي وهذه الأضرار ليست فقط من خلال التهديم وإنما من خلال عمليات السلب والنهب لآثارنا، معتبرة أنه ومن خلال الدبلوماسية الثقافية نستطيع جذب المساعدات لإعادة بناء آثارنا وقد تهدم الكثير منها، فعلى سبيل المثال ما يجري الآن من إعادة ترميم لآثار تدمر وما جرى لأسواق حلب الذي تم من خلال المنظمات غير الحكومية والأمان السورية التنمية ومؤسسة الآغا خــان الدولية، فالأموال تأتي من الأصدقاء والأشقاء والمنظمات الدولية غير الحكومية ومن الغيورين على هذا التراث الحضاري.
وقالت: «هنالك جهود يجب أن تبذل في الخارج لاستعادة المهرب من آثارنا ومكافحة الاتجار بالتراث المادي السوري، فهناك قطع سورية تباع بالمزادات العلنية في الدول الغربية، من يخبرنا بذلك هم الغيورين على بلدهم وعلى تراث سورية سواء كانوا أجانب أم صحفيين أو سوريين مغتربين والكل يتعاون مع الدبلوماسيين لإخبارهم بوجود هذه القطع الأثرية في تلك البلدان، ومن ثم تبدأ عملية استعادة هذه القطع الأثرية وهذه مهمة وطنية تقع على عاتق الدبلوماسيين في الخارج».
وأضافت: «نحن لا نريد السيطرة على أحد، نحن نريد أن نعيش بأمن وأمان وسلام وأن نحصّل حقوقنا ونحافظ على سيادتنا الوطنية».
تنشيط الدبلوماسية الثقافية ضروري
وفي ردها على سؤال لـ«الوطن» اعتبرت الدكتورة مشوح أن على الدبلوماسية السورية أن تفكر جلياً بتنشيط الشق الثقافي، وأن تعول عليه، وأن تتعاون في هذه المهمة الصعبة مع الجهات الثقافية وكل الجهات المعنية بوزارة الثقافة.
وأضافت: نحن نزودهم بالمادة وبالأفكار والأنشطة، وعليهم هم أن ينفذوها بالطريقة التي يرونها مناسبة، لكن المهم هو طريقة الخطاب ووسيلة التواصل وأن نقنع الآخر بلغته وبطريقة تفكيره وبما نريده نحن، وهذا هو المهم، وهذا الخطـــاب تعـــرفه الدبلومـــاسيــــة الســــورية وتتقنــه وهي ليست بحاجة لمن يعطيها دروساً، فعلينا إدراك وجهة النظر هذه وأن نتعامل معها بما يخدم قضايانا».
بوساطة الدبلوماسية الثقافية نستطيع فتح الكثير من النوافذ
مدير المعهد الدبلوسي السفير عماد مصطفى وفي رده على سؤال «الوطن»: أكد أن الدبلوماسية السورية تقوم بالكثير بما يخص الدبلوماسية الثقافية، لكننا لا نرضى أبداً ودائماً نتوق للمزيد والمزيد ومهما بلغنا من مستوى فنحن نتطلع لتحقيق مستويات أعلى، مشدداً على أن الدبلوماسية الثقافية هامة جداً ولاسيما في ظل الحصار لأنه بوساطة الثقافة نستطيع فتح الكثير من النوافذ والمعابر والبوابات المغلقة سياسياً أو اقتصادياً، ومن خلال وجه سورية الحضاري والثقافي نستطيع الوصول إلى عقول وقلوب الكثير من الشعوب في الخارج».
حضر الندوة معاونا وزير الخارجية والمغتربين، ومعاونة وزيرة الثقافة وعدد من مديري الإدارات في وزارتي الخارجية والثقافة وعدد من السفراء والسلك الدبلوماسي السوري، وممثلي البعثات الدبلوماسية الموجودة في دمشق.