دائماً ما نسمع ونقرأ عن مصطلح «العقل الجمعي» الذي يتمثل باجتماعِ مجموعةٍ من الأشخاص للترويجِ لفكرةٍ مادون النظر إلى قيمتها أو الهدف منها، هذا العقل الجمعي قد يكون في سياق إيجابي بمعنى أننا نصفق عندما نرى عرضاً مسرحياً يُخرج فيهِ الممثلون ما داخلنا من طاقة عندها يبدأ أحدنا بالتصفيق فيتبعه الآخرون بمعزل عن سبب التصفيق من وجهة نظر فردية، وقد نصفق لأنه مطلوب منا أن نصفق تحديداً أننا في هذا الشرق البائس اشتهرنا بحبنا للتصفيق المُعلَّب، هذا التصفيق قد يأتينا على هيئةِ تمجيدٍ لأحداثٍ تاريخية هي في الحقيقة عار على جبين الإنسانية، أو على شكل تمجيد لانتصارات وهمية وتحويل الهزيمة إلى انتصار لأن العدو لم يتمكن من إبادتنا فكرياً وجسدياً بعد! لكن أسوأ الأشكال التي قد يتخذها هذا التصفيق المعلب هو الإصرار على سياسة رؤية القذى في عينِ الآخر وعدم رؤية جذع الشجرة في عيوننا.
خلال الأسبوع الماضي كان تشكيل الحكومة الفرنسية الجديد هو الترند الأهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
كيف لا والوزارة ضمت رئيس الوزراء غبرييل أتال، وشريكه وزير الخارجية ستيفان سيجورني، هنا بدأت الصفحات العربية الاستهزاء بتشكيل هذه الحكومة والتصويب عليها من بابٍ واحد فقط هي أنها حكومة الشذوذ الجنسي.
بالتأكيد وقبل أن يصطاد بعض الجهابذة بالماء العكر فلا جدال لدي بأن فكرة الشذوذ أو الترويج له بأي طريقة كانت مرفوضة حكماً ولا داعي أساساً لإضاعة الوقت بإثبات ما هو ثابت لدي، لكن في هذه التفصيلة بالضبط نبدو فعلياً وكأننا بحاجةٍ إلى إعادة توصيف الشذوذ، فمثلاً هذا الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء كان في الأداء العملي والمؤسساتي أكثر من ممتاز إذ كان وزيراً للتربية وقاد مشروعاً جيداً لإصلاح التعليم بما فيه العودة لفرض لباس إلزامي موحد لمنع تحول المدارس إلى عروض أزياء، أما شريكه فلم يتم تعيينه كوزير خارجية لأنه شريك رئيس الوزراء وبمعنى آخر فالقصة ليست (محسوبية) كما تراءى للبعض لأن هذا الشريك أساساً يحمل ماجستير في القانون الدولي وهو في صلب العمل السياسي لكونه نائب منتخب يمثل فرنسا في البرلمان الأوروبي، هنا دعونا من تعريف الشذوذ لنسأل:
هل إننا ندرك الحياة الشخصية لكل من يتولى مسؤولية في هذا الشرق؟
أيهما أشد وطأة شذوذ الجنس أم شذوذ الانتماء، ألا نعاني في شرقنا البائس شذوذاً في الانتماء فاقَ بضرره ودونيته الشذوذ الجنسي؟ ما الفرق بين مسؤول شاذ جنسياً ومسؤول شاذ علمياً لأن شهاداته مشتراة أو شاذ إدارياً لأن تعيينه لم يكن بسبب إنجازاته لكن بسبب شذوذ من رشحه، ما الفرق بين مسؤول غربي شاذ جنسياً ومسؤول شاذ وطنياً باع وطنه عند أول منعطف بعدَ أن كان يعطي الشعب دروساً في الوطن الذي لا يجب أن يكون فندقاً، ربما لو أردنا أن نكون واقعيين لصمتنا كي لا يتهمنا العقل الجمعي الذي مازالَ يسخر من تشكيلة الحكومة الفرنسية بالدفاع عن الليبرالية لكن لو كنا أكثر شجاعة لقلنا إن الفرق بين الشذوذين واضح فالأول لا يضر إلا نفسه أما الآخر فأحرقَ أوطاناً لذلك قبل أن نسخر من غيرنا تعالوا إلى وقفة ضميرٍ نعالج فيها ما نعانيه من شذوذ، من دون أن ننسى بأن أي شذوذٍ مرفوض!