لأن الأستاذ عميد خولي هو من عيَّنَني في جريدة تشرين عام 1978، أشعر أنه من واجبي تكريس هذه الزاوية لذكراه كما فعلت مع جل الراحلين الذين عملت معهم في مهنة المتاعب، وليد معماري 2021، قمر الزمان علوش 2022، وإبراهيم ياخور 2023.
عندما فزت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة في المسابقة التي أجرتها جريدة البعث عام 1976، استدعاني رئيس تحرير الجريدة آنذاك المرحوم الأستاذ عدنان بغجاتي وسألني أين أعمل؟ فأجبته بأنني كنت أعمل في الصحافة الطلابية، أما الآن فأنا أؤدي خدمة العلم. يومها قال لي الأستاذ بغجاتي: «راجعني عندما تسرح من الجيش كي أعينك هنا في القسم الثقافي». والحق أنني لم أكذِّب خبراً، ففي اليوم نفسه الذي سرحت فيه من الجيش، ذهبت لجريدة البعث التي كان مقرها مقابل فندق أمية، ففوجئت يومها بالأستاذ بغجاتي يخرج من خلف مكتبه ليجلس إلى جانبي على إحدى الأرائك، ويسألني مبتسماً بلطف «هل سرحوك؟» ربطت المفاجأة لساني إذ لم أتوقع أن يتذكر الرجل كلامه بعد انقضاء سنتين عليه، فأومأت بالإيجاب.
قطب الرجل هازاً رأسه بشرود، وبعد لحظات من الصمت المتوتر قال لي بالحرف الواحد: «أنت لن يمشي حالك هنا، سأكلم لك رئيس تحرير «تشرين» كي يعينك هناك». «ومن دون أن ينتظر ردي، تناول الهاتف وقدَّمني بكلمات هي أبسط وأجمل ما قيل عني في حياتي ككاتب، وما إن أعاد السماعة إلى مكانها حتى نهض ومد لي يده قائلاً باقتضاب: «اذهب إلى تشرين فوراً، الأستاذ عميد بانتظارك». وصلت إلى تشرين قبل دقائق من انتهاء الدوام الرسمي. رمقني الأستاذ عميد بنظرة متفحصة ثم قال لشخصٍ علمتُ فيما بعد أنه مدير الشؤون الإدارية: «أصدر قرار تعيينه في القسم الثقافي بتاريخ اليوم» ثم التفت نحوي وقال: «الدوام يبدأ في التاسعة صباحاً».
أعترف أنني لم أكن مقرباً من الأستاذ عميد خولي لأنه كان يعتبرني من «المشاغبين في الجريدة»، والحق أنه رفض لي عشرات الزوايا، لكنني علمت من شخص موثوق أنه (حماني) أكثر من مرة، وقد سمعته مرة يقول لشخص ما على الهاتف «توقيعي موجود على المادة، أنا رئيس التحرير وأنا المسؤول». وقد علمت من عدة أشخاص موثوقين أن الأستاذ عميد كان من أشجع رؤساء التحرير في الدفاع عن العاملين معه.
ما أذهلني هو سطحية المعلومات التي نشرت عن الأستاذ عميد خولي عقب رحيله! فقد ذكر أحد المواقع أنه عين رئيس تحرير لصحيفة تشرين سنة 1980، وهذه معلومة مغلوطة لأنه كان في منصبه عندما عيَّنني شخصياً في شهر آب سنة 1978.
لجأت لتطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» عله يحدد لي بدقة تاريخ تعيين الأستاذ عميد كرئيس تحرير لجريدة تشرين فأفادني بالعبارة التالية: «عميد خولي تم تعيينه كرئيس تحرير لجريدة تشرين السورية في 6 آب 2013. «فيا له من ذكاء اصطنا…عي!
لقد خدم الأستاذ عميد خولي الإعلام السوري طوال حياته، لكن كل ما كتب عنه جاء إنشائياً وتقليديا لدرجة البؤس، بل إن اتحاد الصحفيين لم يذكر في نعيه للأستاذ عميد خولي أنه كان نائباً لرئيسه لسنوات!
السؤال الذي يفرض نفسه لماذا لا يقوم اتحاد الصحفيين بإنشاء قاعدة بيانات عن حياة وأعمال أعضائه العاملين، فإن لم يستفد منها في حياتهم يمكن أن يُستفاد منها عقب رحيلهم؟