بدأ يتضح الآن أن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة لجيش الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية وما فرضه من هزائم على الكيان الإسرائيلي في عملية طوفان الأقصى، بدأ يجبر الكثيرين من قادة دول الغرب الداعمة للكيان على الاعتراف باستحالة أن يعود «الوضع الإسرائيلي» إلى ما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول الماضي، والرئيس الأميركي جو بايدين يأتي في مقدم هؤلاء، فقد أعلن بعد أسابيع من دعمه لحرب إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير قطاع غزة أن «نتائج تلك الحرب تدل على أنها ستفرض على إسرائيل الالتزام بحل الدولتين»، وفي كانون الثاني الجاري بدأ وزير الخارجية الأميركي يحاول إجراء تعديل في تصريحاته السابقة ويمثل دور «من يحزن» على ما يقوم به جيش الاحتلال في القطاع من دون أن يوقف جزءاً مما يقوم به جيش الكيان من تدمير ومذابح ضد الشعب الفلسطيني، بل طلب نظريا وللاستهلاك المحلي من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو تأكيد التزامه بحل الدولتين لعله يحقق بهذه الطريقة اختراقاً لمصلحة تل أبيب، عجز جيش الاحتلال عن تحقيقه في ميدان القتال.
على الجانب الآخر للصورة بدأ المستوطنون وعدد من وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية يعترفون بأن ما يسمى بمرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول 2023 لن تشبه أبداً الوضع الذي كان سائداً قبل أكثر من ثلاثة أشهر، لأن الكيان فقد عدداً من العوامل الداخلية والخارجية، ولن يتمكن من المحافظة على وضعه السابق، وفي مقدم تلك العوامل قدرة الردع التي فقدت جزءاً كبيراً منها وتبددت جدواها في ضمان أمن ومستقبل بقاء المستوطنين، ففي صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الصادرة في 7 تشرين ثاني الماضي كتب عمير بن ديفيد تحت عنوان «إسرائيل التي نعرفها ماتت بعد السابع من تشرين أول 2023 وستظل الأجيال تحمل ندوبها»، جاء فيه أن «ما سوف نراه بعد حرب تشرين 2023 لن يشبه أي شيء نتصوره، لكن هناك نتيجة واحدة سنشهدها دونما شك وهي أن صدمة ذلك السبت الأسود ستخلف أعمق الندوب التاريخية في روح الإسرائيليين، وهذه الصدمة هي التي ستحدد شكل شخصية إسرائيل وسياساتها والعلاقات بين الإسرائيليين أنفسهم من جهة وبينهم وبين أعدائهم من الجهة الأخرى، وكذلك بين الإسرائيليين والمعادين للسامية (أي لليهود) في العالم».
ويتساءل بن ديفيد: «كيف فاتنا إدراك ما حمله لنا تشرين الأول عام 1973 حين فوجئنا به؟ وكيف لم نستطع رؤية ما يخبئه لنا تشرين 2023 هل كنا أعمياء؟ وكيف كنا متغطرسين جداً حين قللنا من شأن أعدائنا وقدراتهم وكيف كانوا مطمئنين لعدم رؤيتنا لهم ولقدرتهم على إخضاع الشرق الأوسط لإرادتهم؟ حقا لم نتوقع كل ما جرى».
وفي سياق المضاعفات الداخلية نفسها التي ولدتها عملية طوفان الأقصى تبين أن عوامل الضعف والتمزق التي ستفرض وجودها على مرحلة ما بعد الطوفان سنراها في:
1- هجرة عكسية لمئات الآلاف من المستوطنين الذين فروا من وحداتهم الاستيطانية بعد تساقط الصواريخ عليها طوال أكثر من ثلاثة أشهر ووجدوا أنفسهم مجبرين على الرحيل إلى الفنادق داخل الكيان.
2- انحسار أو توقف هجرة اليهود من الخارج بعد هذا الدرس الفظيع.
3- انشغال الجميع بتبادل الاتهامات عن مسؤولية الهزيمة وعدم ثقة أفراد الجيش بقادته وتفضيل الكثيرين الخروج من دوامة الخدمة في الاحتياط والقيام بهجرة عكسية بعد أن تبين أن الجيش قتل أكثر من 24 من جنوده الأسرى الذين وقعوا بأسر المقاومة.
وبانتظار ما يمكن أن تحمله التطورات المتلاحقة لعملية طوفان الأقصى سيظل الكيان هشاً في جبهته الداخلية من كل الجوانب.
وعلى الساحة الدولية بدأنا نشهد انقساماً سياسياً داخل جبهة الداعمين المشاركين للكيان في عدوانه وزعزعة في ثقة الدول الغربية بنجاح المشروع الاستيطاني الاستعماري في فلسطين، وبالإضافة إلى ذلك هناك تزايد في الدعوات المطالبة بمحاكمة الكيان على جرائم إبادة شعب من دول كثيرة، كما ظهر جلياً على المستوى الإقليمي العربي والإسلامي أن جميع دول المنطقة تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه ولم يتمكن الكيان من تغيير هذه الصورة الإجمالية للمواقف العربية والإقليمية.