الإنسان بطبعه يبحث عن نهايات سعيدة لكل شيء فإن كان في ضائقة يمكن أن يرسم النهاية التي يتمناها على إنها النهاية المنطقية وفي أغلب الأحيان تنسجم هذه النهايات بالأمنيات وبالمصادفة قد تتحقق هذه النهاية بحكم سيرورة الحياة، فيأخذها واحدنا على أنها جاءت نتيجة طبيعية لما أراده هو وربما جاءت منسجمة للغاية مع الأمنية ولأنه يريد أن يحدث الأمر فإنه يلبسه ما يشاء من الأوصاف فإن ظلمه أحدهم وانتهى الظلم وهلك الظالم يفرح ويرى ذلك استجابة لدعائه وتحقيقاً لأمنيته ولا يضع هذا الشخص في حسبانه أن هذا الذي انتهى لم يأته العقاب كما في (حجارة من سجيل) وإنما جاءه بعد عقود متطاولة من الظلم وربما جاء بعد أن استهلك هذا الشخص كل ما لديه وصار عاجزاً عن فعل شيء ولا نفرق بين النهايات الطبيعية للأشياء وبين النهايات المرتبطة بالعقاب على ما فعله هذا الشخص أو ذاك ومعروف في تراثنا كيف نهى عمر رضي الله عنه عن التواكل وقال جملته الشهيرة: (إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة) ونحن نقرأ ونردد ولا نقوم بتفسير مثل هذه الحوادث على أنها حضّ على العمل ولا تدعو إلى الأمنيات وعالم التمني!
كل واحد منا يرجو أن يحيا حياة جميلة وناعمة وهادئة
كل منا يتمنى البحبوحة والسعادة في حياته
ولكن هذه الأمنيات هل تصنع السعادة؟ فإذا تمنيت أن تصبح طبيباً ماهراً هل يمكن أن تصبح دون جهد ودأب وعمل؟ وإن أردت أن تصبح أديباً مؤثراً ومشهوراً هل يمكن أن تصبح دون أن تبذل لذلك بعض الأوراق للتسويد والتمزيق والإعادة؟!
النهايات السعيدة تأتي بصورة حتمية من خلال سيرورة الزمن والنهايات المؤلمة تأتي كذلك بحكم السيرورة نفسها وقد تكون النهاية بألوان متعددة لكل شخص وقد تكون بألوان الطيف للشخص نفسه وفي اللحظة ذاتها ويقوم واحدنا بفلسفة الأمر وتزيينه على أنه كان النهاية المرتقبة….!
ولكن أجمل النهايات وأفضل الخواتيم هي تلك التي يرسمها الإنسان بنفسه حين يرسم ما يريد وما يفكر وحين تأتي جائزة النهاية ستكون مهمة وذات قيمه لأنها كانت حصيلة عمل وترقب ولم تكن نتيجة أمنيات تداعب خيالات الإنسان.
والغريب أن سادة الفكر الذين يقودون المجتمع يقدمون هذا التناقض الصارخ ، فهم يشرحون النص المقدس (وقل أعملوا..) (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله..) (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه…) وهم في الوقت نفسه يتحدثون عن التخلي التام واللجوء التام إلى المشيئة!
لاشك في أن المشيئة هي التي تتحكم بكل أمر وتعطي النتائج لأعمالنا والخواتيم لكنها مرهونة بما نقدمه وما نعمله وما نجتهد فيه فالدعاء وحده لا يفعل شيئاً والدعاء نفسه لا يحمل معنى التضرع والاستسلام وإنما يحمل المعاني المتعددة التي تقترب به من العمل ومن ثم يتم انتظار النهايات..
ما نظنه نهاية سعيدة قد يكون هلاكاً وبطشاً
وما نظنه نهاية مؤلمة قد يكون خلاصاً
قد تكون النتيجة لمصلحة من نحب ولكنها لم تغمّس بالعرق والجهد والعمل وهذا ما يفقدها قيمتها التي يجب أن تحملها.. قد يدخل واحدنا إلى الحياة بصلاحه ومسالمته ويحيا كل حياته على الطريقة نفسها ويغادر الدنيا وهو في قمة الصلاح والذين حوله يتحدثون عن هذا الصلاح لكنه دخل وخرج دون أن يستهلك ما يمتلك من عقل وعلم وحكمة بينما آخرون فعلوا وعرفناهم سواء أحبهم الناس أم لعنوهم فقد تركوا بصمة خاصة وكانت نهاياتهم بإرادتهم كما فعل بشار بن برد وابن المقفع والسهروردي والمتنبي والمعري وغيرهم كثير.. حين نتذكر نهاية الحلاج والسهروردي والمتنبي نتحدث بألم عن النهاية! لكنها كانت نهاية سعيدة ومرسومة بعناية فأعطتهم البقاء مع أننا ننظر إلى تلك النهايات الشجاعة بألم تقدم إليها غير هيّاب، وكذلك الشهيد الذي يملك الحياة، ولكنه يقرر نهايته بنفسه، وكلما كانت نهايته مرسومة بيده ارتفعت مكانته، الناس ينظرون بحزن إلى هذه النهاية، لكنها نهاية سعيدة، ونهاية فوز في الحياة جعلت الذكر مؤبداً…
إن النظر إلى النهايات يجب أن يكون مختلفاً، فكلما بذلنا وعملنا كانت نهاياتنا وأعمارنا أكثر سعادة، وحين نركن إلى الدّعة والكسل، فمهما امتدت الأشياء فستكون النهايات غير جميلة، وإن تهيأ لنا جمالها.
أما كانت الجدات على صلة بالدعاء (يا رب لا تكرّه فينا أرض ولا عبد)؟!
مرحلة قد تمتد كثيراً وقد تكون مختصرة، ولكنها تستحق أن تعاش بكل حال من الأحوال، وتستحق المغامرة، وألا يركن واحدنا إلى تصاريف القدر على أنها النهايات المحبوبة، فالحياة قطار لا ينتظر واحداً إن كان رحيماً أم لم يكن.. وخط النهاية لا بد من الوصول إليه.
إنما المرء حديث بعده فكن خير حديث ينتقل..