الدوري الكروي الممتاز في مرحلة الذهاب (1) … المستوى الفني متدنٍ والنتائج خيّبت الآمال.. ضعف الانسجام وغياب الاستقرار سببان مهمان لضعف الدوري
| ناصر النجار
بعد استراحة لأيام معدودة انطلقت الأندية في تحضيراتها الجديدة استعداداً لمرحلة الإياب التي ستكون حاسمة وقوية في منافساتها لأنها فاصلة في صراع البقاء وفي صراع الهبوط، وفي صراع القمة.
فرق الدوري في مرحلة الذهاب لم تظهر بالمستوى المأمول ولم تعط النتائج المتوقعة استناداً إلى استعداداتها وتحضيراتها وعقودها مع اللاعبين، أغلب الأندية خيّبت آمال جماهيرها التي استغربت ما آلت إليه نتائجها التي لم تكن متوقعة في أسوأ الأحوال.
وإذا كانت الأندية تعاقدت على الأقل مع عشرة لاعبين جدد ولم تحقق ما تصبو إليه، فأين تكمن العلة؟
في هذا الجانب هناك أسباب كثيرة من الممكن أن تكون كلها أو أحدها سبباً لعدم تحقيق الأداء والمستوى المطلوبين وبالتالي إخفاق هذه الفرق بتحقيق النتائج المطلوبة.
في أول الأسباب: الاختيار غير الصحيح للاعبين، فليس شرطاً أن يكونوا مناسبين للفريق حسب مستواهم ومراكزهم، ولاحظنا أن الأندية تحولت إلى مراكز لتجميع اللاعبين، فالتعاقدات كانت على غير هدى، لدرجة أن بعض المراقبين شكك في صوابية بعض التعاقدات وألمحوا لدور السماسرة المؤثر فيها.
في ثاني الأسباب: غياب الانسجام عن الفريق لوجود لاعبين من أندية شتى، والمستغرب أن بعض المدربين غيروا من مهام بعض اللاعبين ومراكزهم فاختفت فعاليتهم وخبا بريقهم، ولنا في ذلك أمثلة عديدة وكثيرة ومنها: محمود البحر هداف الدوري في أكثر من موسم، وهو هداف فريق جبلة، لكنه في الفتوة لم يكن هدافاً، فهل انتزع منه فريق الفتوة شهية التهديف أم إن أسلوب المدرب حدّ من قدراته في التسجيل، ومثل ذلك سلطان سلطان كان هداف الشوط الثاني كلاعب بديل استفاد منه جبلة كثيراً في الموسم الماضي، لكنه غاب تماماً عندما انتقل إلى حطين، وناديه الجديد لم يستفد من قدراته لذلك نسأل: إذا لم يكن له مكان في حطين فلماذا تم التعاقد معه؟
أيضاً من جبلة كان المدافع عبد القادر عدي متألقاً ونجماً وهدافاً لكنه عندما انتقل إلى فريق الوحدة غابت كل هذه الميزات فلم يقدّم لفريقه الجديد ما يأمل منه، ولم يقدم نفسه بالشكل الذي اعتدنا على فعاليته في الدوري.
الأمثلة السابقة جئنا بها من فريق جبلة حيث كان هؤلاء اللاعبون متألقين وبارزين، لكنهم عندما غيروا جلدتهم ضاعوا وأضاعوا، وهذا مرده إلى غياب الانسجام مع الفرق الجديدة وإلى تغيير أسلوب اللعب حسب الفكر الكروي الذي يعتمده مدرب الفريق.
وعلى هذا القياس فقس من الأمثلة الكثير ومن اللاعبين أكثر، لذلك نخلص إلى نتيجة مفادها أن العبرة ليست بالانتقالات وحجمها، إنما العبرة بكيفية توظيف إمكانيات اللاعبين الجدد لخدمة المجموعة، وللأسف فشلت أغلب الأندية في تحقيق المطلوب، لذلك لم تأت الانتقالات بجدواها الفعلي ولم تحدث أي تغييرات على صعيد الفرق والدوري بآن معاً.
في ثالث الأسباب وله علاقة بالسبب الماضي الانسجام ويتمثل بغياب الاستقرار، فالاستقرار من أهم عوامل النجاح والتطور، وللأسف نجد أن كل أنديتنا تبدأ موسمها الكروي الجديد من الصفر، فيكون الموسم الجديد منقطعاً عن الموسم الماضي، ولا يحمل الفريق معه إلا اسمه، فهناك مدرب جديد ولاعبون جدد، وعلى سبيل المثال فريق حطين، فلولا شعاره ولون قميصه ما عرفنا أن الفريق الذي على أرض الملعب هو حطين ومثله أغلب الأندية.
وإذا أردنا توصيف بعض الفرق بكل شفافية لرأينا أن حطين لم يستفد من كل التغيير الذي أجراه على الفريق سوى أنه انتقل من مواقع المهددين الذي كان يلازمه في السنوات الماضية إلى مواقع الآمنين ولولا فوزه المتأخر على الكرامة بهدف صديق لكان مثله مثل بقية فرق الوسط، وحسابات التقدم والتطور لا تقاس بالفوز على فرق المؤخرة، بل بالفوز على الفرق المنافسة وعلينا أن نبحث عن نتائج حطين مع الفتوة وجبلة وتشرين وهي في طليعة فرق المقدمة.
لنصل إلى نتيجة مفادها أن حطين لم يحقق المطلوب على صعيد الأداء والنتائج من كل عمليات التجديد التي قام بها.
ومثله فريق الفتوة، والمستغرب أن الفريق وقد حاز اللقب في الموسم الماضي، لكنه لم يبن على لقبه أي شيء إيجابي، فقام بتغيير المدرب، وهنا يمكننا لفت النظر على موضوع تغيير المدربين المستمر في الأندية ما يفقد فرقنا حاجتها الفنية من الاستقرار الضروري جداً، والمهم في الأمر أن مدربينا كلهم على مستوى واحد، والفوارق بينهم بسيطة، والمدرب المتميز هو الذي يملك فريقاً متميزاً، لذلك فإن تغيير المدربين في الدوري بات كالداء يصيب كرتنا، ولابد من الركون إلى الاستقرار ليكون المدرب قادراً على العطاء ولتظهر نتائج عمله، وإذا تابعنا عمليات تغيير المدربين في السنوات السابقة لما وجدنا أن التغيير أحدث النقلة المطلوبة إلا في حالات قليلة جداً.
ودوماً فالمدرب الجديد يرسم إستراتيجية جديدة يحاول من خلالها نسف عمل من سبقه ليكسب الرهان، لكنه يفشل للأسف ليأتي مدرب آخر ويمارس الفعل ذاته والمتضرر من كل هذه العمليات هي الأندية.
مدرب الفتوة الجديد غيرَّ أكثر من نصف الفريق وهذه إشارة سلبية، فقد يحتاج بطل الدوري إلى بعض الرتوش ليستمر في خطواته التصاعدية، لكن الموسم الجديد أطلّ علينا الفتوة بتغييرات كثيرة لم يكن بعضها في محله، ولم يستفد من بعضها الآخر، والحصيلة النهائية كانت على الشكل التالي:
لا يعني تصدر الفتوة فرق الدوري أنه وصل مرحلة الكمال وأن أموره عال العال ولنا في ذلك شواهد عديدة.
في الدوري تصدر مرحلة الذهاب على حساب تواضع الكثير من الفرق، ولو كان هناك منافسون حقيقيون ما وصل الفتوة إلى الصدارة بسهولة، والدليل على ذلك أنه فشل فشلاً ذريعاً في بطولة الاتحاد الآسيوي، مع العلم أن الفرق التي قابلها لم تكن من فرق الصفوة في بلادها.
الظروف ساعدت الفتوة في الكثير من المباريات، وفي أسابيع الدوري تناهى إلى سمعنا احتجاج العديد من الفرق على التحكيم في المباريات التي جمعتهم مع الفتوة، ولن نعود بالذاكرة إلى هذه المباريات ولن نسرد بعض تفاصيلها.
المهم في الموضوع أن غياب الاستقرار الفني كان سبباً في ضعف الأداء وتراجع مستوى الفرق والدوري.
في رابع الأسباب: البحث عن عواجيز الدوري طلباً للخبرة على حساب حيوية الشباب، معظم لاعبي الدوري تجاوزوا الثلاثين من العمر وبعضهم بلغ سن الشيخوخة الكروية ومع ذلك تتسابق الأندية على طلب ودّهم رغم أن الكثير منهم بات غير فاعل ومؤثر بالفريق الذي يلعب معه والأمثلة هنا كثيرة.
في إحصائية هذا الموسم تبين لنا أن معدل أعمار الدوري والفرق تراوح بين 29 و31 سنة، وهذا يعني أن جيلاً كاملاً أو أكثر من جيل تفتقده مسابقة الدوري، لذلك فإن البديل غير موجود، وإذا وجد فهو غير جاهز، وهذا الأمر ستدفع ضريبته كرتنا، لأن اللاعبين الموجودين حالياً لن يستمروا مدى العمر.
ودوماً الحلول الناجعة بالاعتماد على اللاعبين الشباب كما فعل فريق أهلي حلب وكذلك فريق الكرامة عندما مزجا فريقيهما بين الخبرة والشباب وإن كان اعتماد الأهلي على الشباب أكثر من الكرامة.
خامس الأسباب تتعلق بالعامل المالي، فالأندية تئن من أزماتها المالية وتشتكي فقرها إلى اتحاد كرة القدم، ومع ذلك نجدها تبرم العقود الكثيرة بمبالغ كبيرة وبعضها مبالغ فيه، ونحن نستغرب وجود هذا التضاد في العمل، فإذا كانت الأندية في عسرة من المال، فلماذا توقع هذه العقود مع اللاعبين المحليين وتستقدم محترفين ثم تضيق على نفسها من كل الجوانب، وكل ذلك ثبت عدم جدواه لأن أغلب العقود لم تكن في مكانها الصحيح وأكثر المحترفين الأجانب ليسوا بأفضل من لاعبينا.
سادس الأسباب سوء الوضع الإداري في العديد من الأندية، وهذا مرده إلى أسباب عديدة نتج عنها سوء العمل الإداري، فالعديد من أنديتنا عاشت عدم الاستقرار الإداري والتخبط في العمل ورافقه تغيير الإدارات وهذا كله أدى إلى تراجع في منسوب العمل وانعكس بشكل سلبي على الفرق الرياضية ومنها فرق كرة القدم، فالظروف الضبابية في نادي تشرين أبعدته عن المنافسة، والظروف الإدارية الصعبة في نادي أهلي حلب وضعته بمكان غير مناسب ولا يليق باسمه وتاريخه، وسوء العمل الإداري بنادي الوحدة وضعه ضمن قائمة المهددين بالهبوط.
هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تراجع مستوى فرقنا، وبدوره أدى هذا التراجع إلى ضعف المستوى العام للدوري، وزاد منه سوء الملاعب، وتفاوت أداء الحكام بين الحسن ودون ذلك وتنامي الشغب وخصوصاً من كوادر الفرق واللاعبين.
لذلك تراجعت كرتنا في الأندية وانعكس ذلك على المنتخب ولا غرابة إن وجدنا المنتخب لا يضم في صفوفه إلا عدداً قليلاً جداً من اللاعبين المحليين باستثناء حراس المرمى، وهذا كله بسبب ضعف الدوري وتراجع مستوى الأندية واللاعبين معاً.