منذ عملية طوفان الأقصى لعناصر حماس وهناك الكثير من التطورات الإستراتيجية التي تعصف بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو ما بات واضحاً مما يمكن وصفه بالجمود السياسي والبرودة الأمنية بين الطرفين الإسرائيلي والمصري في إطار الوصف الإستراتيجي الحالي لهذه العلاقات.
تعددت الملفات التي تسببت ببرودة العلاقات المصرية الإسرائيلية حالياً، غير أن أبرز هذه الملفات حالياً هو قضية الحدود، وربما باتت قضية السيطرة على محور فيلادلفيا هي القضية الأبرز التي تسيطر على الدوائر المصرية والإسرائيلية هذه الأيام وخاصة مع:
١- اقتناع الحكومة الإسرائيلية بأن أغلبية الأسلحة المستخدمة في هجوم عملية طوفان الأقصى لحركة حماس في السابع من تشرين الأول الماضي جاءت بالتهريب عبر هذا المحور، وظهر هذا، وبحسب الدوائر الإسرائيلية والغربية، مع تقديرات الموقف التي ناقشت هذه المشكلة.
٢- هناك شعور متبادل بعدم الثقة الأمنية بين مصر وإسرائيل، وهو الشعور الذي تجسد في الانتقادات المتواصلة التي خرجت من مصر نحو إسرائيل، وفي الحديث ولأول مرة إسرائيليا وبوضوح عن إمكانية إلغاء معاهدة السلام مع مصر، ووصل الأمر أيضاً إلى الحديث عن إمكانية شن حرب إسرائيلية على مصر.
كل هذا يأتي مع بعض من التطورات منها مثلاً:
1- عدم الاتصال المباشر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ هجمات السابع من تشرين الأول الماضي.
2- اقتصار الاتصالات مع مصر على عناصر جهاز الشاباك، وخلال الآونة الأخيرة لوحظ عدم مشاركة رئيس الجهاز رونين بار في الجلسات الأمنية مع القاهرة.
3- الحديث الإسرائيلي عن السيطرة الأمنية على المحور يعني بعضا من الخطوات التي لم ترق للقاهرة وتحديدا جهاز المخابرات العامة المصري بسبب:
أ- اقتراح إسرائيل وضع مجسات تقنية للتجسس ومتابعة أي تحرك في منطقة الأنفاق، ما يعني تداعيات أمنية وانكشاف أوراق بعض من الأمور الأمنية للقاهرة أمام إسرائيل.
ب- تمثل هذه المنطقة «مفتاح الصنبور» الذي تغلق به مصر وتفتح به أيضاً حجم تدفق المياه والمساعدات والدعم للجهة الفلسطينية التي تحكم غزة، وهو ما يحقق لها مثلاً بعض الخطوات ومنها، إرسال رسائل أمنية لإسرائيل، فضلاً عن إرسال رسائل أخرى لجهات فلسطينية وعربية تحتاج مصر لإرسالها.
4- المقترحات الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا كانت تتوقعها مصر، وهناك تقدير أمني مصري بهذه النقطة تم وضعه عقب عملية طوفان الأقصى، وتمت معرفة تفاصيل ما ورد بهذا التقرير مع اعتماده على جمع بعض من المعلومات من مصادر في إسرائيل بصورة انتبهت لها أجهزة إسرائيلية وعرفت تلقائياً بنود هذا التقدير.
عموما فإن قضية السيطرة على محور فيلادلفيا تعكس خطورة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي والحذر من هذا الأمر وخاصة أن بنود اتفاقية كامب ديفيد واضحة وتنص على إمكانية تعديل بعض من نقاط الاتفاقية وفقاً للحاجة الأمنية لكل طرف، وهذا بالضبط ما قاله الرئيس المصري من قبل عندما شكر الجانب الإسرائيلي على موافقته على تعديل بنود الاتفاقية بسبب الحرب المصرية على الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، والموافقة على دخول عدد من أنواع الأسلحة الدقيقة والثقيلة أيضاً.
وبالانتقال لنقطة أخرى تتعلق برؤية الطرف الضامن لاتفاقية السلام وهي الولايات المتحدة التي تعتبر الجهة الضامنة لتنفيذ بنود اتفاقية كامب ديفيد، فإن هذا الضمان يعني:
1- إن إسرائيل وقبل الحديث أو طرح فكرة السيطرة على محور فيلادلفيا نسقت الأمر مع البيت الأبيض.
2- خاطبت إسرائيل بعضاً من دول العالم بشأن هذه الخطوة.
3- ترى إسرائيل ومعها أطراف قانونية في الولايات المتحدة أن ما قامت به إسرائيل هو مقبول قانونياً، وخاصة أن بند المعاهدة يسمح لها بذلك، وفقاً لرأي خبراء قانونيين في إسرائيل والبيت الأبيض.
4- هناك قناعة إسرائيلية حالية بأن المطالب بتغيير بنود أو مواثيق في معاهدة كامب ديفيد تمثل واقعاً تفرضه التحديات العسكرية سواء المصرية أم الإسرائيلية، وهو ما يمكن أن يجعل مصر في النهاية توافق على الطلب الإسرائيلي مقابل موافقة إسرائيل على أمور أمنية في غزة تطالب بها مصر أيضاً.
5- تعرف مصر تماماً أن الحرب لن تنتهي الآن، وهذا يسبب ضغوطاً عليها في منطقة الحدود ودعوات لفتح هذه الحدود، وبالتالي فإن القادم يجب أن يتسم بالمرونة الأمنية والسياسية مع بعضهما بعضاً.
من الواضح أن مصر وإسرائيل اللتين وقعتا معاً على معاهدة السلام عام ١٩٧٩ ليستا هما مصر وإسرائيل اللتين تعيشان حجم مخاطر أمنية مشتركة عام ٢٠٢٤، وبالتالي فإن القضية ليست سيطرة على موقع أو منطقة بقدر ما هي تعاون أمني وتبادل للمعلومات مفيد للطرفين، ويدرك بعض من الأطراف تماماً هذا الأمر، وتعرف أن العناد لكل طرف مع الآخر لن يحقق أي مكسب لا لمصر ولا لإسرائيل، وهو ما يفتح الباب نحو الموافقة لإسرائيل على ما تطلبه من تغيرات في منطقة محور فيلادلفيا الحدودية مقابل مقترحات أخرى ألمحت إليها مصر في السابق وتعمل على إعداد بعضها خلال الفترة المقبلة.
كاتب مصري مقيم في لندن