من دفتر الوطن

تعب المشوار!

| عصام داري

مع بداية يوم جديد تراودني أفكار التمرد والحرية وتكسير الأصفاد والأغلال، فهل هناك أصفاد أم إنني أتوهم؟

أرى طوال عمري أن هناك من يلاحقنا خطوة خطوة يريد مصادرة حريتنا وأفكارنا ومعتقداتنا وحتى أحلامنا.

كل كلمة، وكل حركة من حركاتنا محسوبة علينا، منذ طفولتنا المبكرة كنا محاصرين بتعليمات وتوجيهات الأهل: هذا ممنوع وذاك عيب، ولا نكاد نخرج قليلاً عن مراقبة الأهل الصارمة حتى نصطدم بمراقبة أشد.

هنا.. ينصبون لنا محاكم التفتيش، فملعون من يخرج على أعراف القبيلة وأحكام شيوخ العشائر المتناحرة المتحاربة على سباق الخيل والإبل. وحتى الحمير، فكيف نخرج من عباءة الجهل والتخلف والهبل وندخل في القرن الحادي والعشرين؟

تعبنا من كل شيء، من رحلتنا التي طالت أكثر مما يجب، وتعبت قلوبنا من مغامرات وطيش وجنون، وآن لها أن تستريح، كل ما نحتاجه هو ركن قصي هادئ نهرب إليه من صخب ودجل وأكاذيب هذا العالم الذي صار مسرحاً للفوضى والصراخ ومرتعاً للشياطين والأبالسة.

الحب اليوم مصلوب على مفارق الدروب في مدن الملح والإسمنت واليباب، مطلوب التحقيق، فقد تجاوز الشارة الحمراء والخطوط الحمراء، وخالف قوانين الطبيعة والقبيلة المتهالكة.

نشعر أننا في سجن واسع تحكمه شرائع لا نعترف بعدالتها، نصرخ بأصوات مبحوحة: افتحوا لنا الزنازين التي بنيتموها على أنقاض القلوب المتعبة، وسجنتم فيها الكلمة والبسمة والحب، دعوا عصافير قلوبنا تحلق في فضاءات سحرية هي كل ما نملك ونطلب.

ترى أن المجتمع يرسم حياتنا بالمسطرة والقلم، يتجاهل الأرواح المعذبة، والفرح المكبوت منذ آلاف السنوات في قمقم مجهول المكان، فنصبح أشباه آلات تسير وفق روتين محدد نأكل ونشرب وننام ونتكاثر، ونجمع بقايانا، ونرحل غير مأسوف علينا.

نبحث كل لحظة عن الحرية الأسيرة، والحب الضائع، والإنسان الحبيس وراء أبواب موصدة، وكلما حاولنا كسر القيود والانطلاق في عالم الحرية الواسع اكتشفنا أن تحت القيد قيداً ووراء السور أسواراً، ، وأن حريتنا مجرد سراب وكذبة كبرى في حياتنا.

و.. نبحث أيضاً عن حلول، ولا يبدو أن هناك حلولاً، لكن خيالنا وأحلامنا تعطينا الحل السحري لواقع مأزوم فنجد الجواب في طلب الهروب من إمارة المغامرة والركون لواقع مجتمع يصلب الأمنيات، ويئد البنات، وتروي الجدات في الأمسيات حكايات الجنيات.. و.. كان يامـــا كان.

ألم أقل إننا تعبنا وتعبت قلوبنا من رحلتنا، و«تعب المشوار» كما تقول الأغنية، وحياتنا برمتها مجرد مشوار، طال أم قصر، ولا تستحق إلا لبضع كلمات أو قصيدة، أو مسرحية تراجيدية، ألم يقولوا إن الحياة مسرح كبير؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن