لماذا يتابع الناس الدراما وما الذي تقدمه لهم؟ … إدريس لـ«الوطن»: الدراما عليها أن تحقق المتعة للجمهور وعليها أن تعلمهم القيم وتؤثر فيهم
| مصعب أيوب
إن المجتمع هو مصدر الإلهام لكتاب السيناريو والقائمين على إنتاج الدراما وهي تنطلق من الواقع وإليه، ولا يختلف اثنان على أن الإنتاج التلفزيوني بالدرجة الأولى يسعى إلى تحقيق الربح المادي قبل كل شيء، ولكنه بطبيعة الحال قادر على التأثير في المتلقي ولو اختلفت نسب التأثير ولاسيما في ظل الانتشار الواسع، والدراما قوة ثقافية من خلال الإضاءة على ظاهرة ما أو تشرح للمتلقي بعض الآفات المجتمعية فيمكن أن يستقي أحدنا العبرة أو تقدم بعض التعاليم الإيجابية والأخلاقيات القيمة أو يكتسب درساً يتعلم منه كيفية التعاطي مع المواقف التي تواجهه وفي أحيان كثيرة يتابع الناس الدراما التلفزيونية فقط من أجل قضاء الوقت والمتعة اللذين يعدان أحد أهم عناصر الدراما.
سوق للمنافسة
في ظل التطورات الكبيرة التي نعيشها إلا أن التلفزيون ما زال يحافظ على مكانة عظيمة، فهو لصيق الأسرة ورفيق سهراتها وضحكاتها، وقد أولى أهل التلفزيون أهمية كبيرة لأوقات وجود الأسرة وساعات تجمعهم وتجمهرهم أمام الشاشة الصغيرة، ولعل شهر رمضان المبارك يعد موسماً لجملة من الأعمال التلفزيونية التي تتنوع بين المسلسلات الدرامية وبرامج المسابقات وحتى الإعلانات التجارية، فهو شهر المنافسة لشركات الإنتاج الفني والتلفزيوني بامتياز وترصد له مبالغ مالية ضخمة.
وسيلة ترفيهية
لأن الدراما تعد التجسيد الفني لأفعال الإنسان وردود أفعاله ولأفراحه وأتراحه، وهي التعبير الحقيقي عن الحياة بحلوها ومرها، والتجسيد الحقيقي لصورة الحياة اليومية يعتبرها البعض أنها وسيلة ترفيهية ويصنفها الدارسون على أنها تشبع جملة من احتياجات الفرد الضرورية.
فهي تسهم في تعليم الفرد وتعريفه بكثير من الأمور التي ربما يجهلها، فالدراما التلفزيونية بطبيعة الحال تنطلق من الواقع وتؤثر وتتأثر به ومن خلال قصصها المتنوعة ترصد مشاكل شتى وظواهر عدة وحالات فريدة وعديدة، ومن أبهى الصور التي تشارك فيها الدراما في العملية التعليمية والتعريفية للإنسان هو الأعمال التي تحكي قصة أحد الراحلين من العظماء ومن كان لهم تأثير كبير في الشأن الثقافي أو السياسي والديني وما إلى ذلك ومن جملتهم الأعمال التاريخية وأعمال السيرة الذاتية «عمر وصقر قريش وربيع قرطبة والزير سالم وملوك الطوائف ونزار قباني وأسمهان والملك فاروق والظاهر بيبرس» وغيرها الكثير من الأعمال.
معرفة خبايا الأمور والتزود ببعض القيم والأفكار
تقدم الدراما التلفزيونية بعض الصور المختلفة عما ألفناه وعرفناه عن بعض الظواهر والأمور الحياتية بحيث أن المشاهد يتأثر بطريقة أو بأخرى بما يراه على الشاشة من خلال تفاعله مع الشخصية التي جذبته واستحوذت على اهتمامه وفي أحيان كثيرة تكون شخصية البطل ذاتها، فسرعان ما يتغلغل المتلقي في أعماق هذه الشخصية محاولاً فهم مآربها وأسباب تصرفاتها وبالتالي تكوين فكرة عامة حول هذا الفعل أو ذاك، وإن من أهم الأمثلة على ذلك شخصية البطل الطيب والخلوق الذي يسعى لتحقيق الخير والعدالة ما يسهم في تعليم الفرد المساعدة والتعاون والإيثار والكثير من القيم الحميدة.
الشعور بالحميمية والأجواء العائلية
لا بد أن معظمنا يتذكر المسلسل الفنزويلي «كاسندرا» الذي عرض في التسعينيات بعد أن دبلج إلى العربية ليحكي قصة فتاة غجرية فقيرة تصبح ذات يوم ثرية للغاية، حيث كانت الشوارع أثناء عرض حلقات المسلسل أشبه ما تكون بحظر التجوال لأن جميع أفراد العائلة كانوا يجتمعون لحضور العمل التلفزيوني الذي سحرهم وكانوا يقومون بتحضير الأطعمة والمشروبات الباردة تماماً كمن يذهب لحضور فيلم ممتع في صالة السينما، وبالتالي فإن الاستقرار والإحساس العائلي واحد من أهم ما تقدمه الدراما التلفزيونية، فالدراما هنا تعد جسراً بين المتلقي والشخصية التلفزيونية قائم على التعاطف والترابط.
تلبية احتياجات المشاهد
الإنسان خليط من مشاعر متفرقة تتنوع بين الحب والغيرة والانتقام والانتصار وغيرها ومن خلال متابعة عمل تلفزيوني أو آخر سيجد أحدنا ضالته فيعبر عن شعوره تجاه هذا الموقف أو ذاك، ومثالها الطالب الجامعي الذي يسعى لتحقيق التفوق الدراسي وبلوغ أعلى درجات العلم، وكذلك الفتاة المملوءة بالمشاعر التي تبحث عن حب تبثه مشاعرها المتأججة، أو البطل الذي يسعى للانتقام من بعض الأشرار الذين تطاولوا على أحد أفراد عائلته فيقوم برد اعتبار عائلته ويحفظ اسمها.
نص محبوك وقصة مشوقة
وعن رأيه حول الأساس لوجود الدراما والغاية منها يؤكد الكاتب محمود إدريس لـ«الوطن» أن الدراما أو العرض التلفزيوني المجزأ في حلقات هو بطبيعة الحال حكاية مترابطة أو حدوتة بسيطة وهو امتداد لمهنة الحكواتي تاريخياً، والحكواتي كان يجمع رجالات البلدة أو الحارة ليروي لهم قصة مشوقة فيها الكثير من عناصر الجذب والتشويق، بحيث كانت محملة بمفاهيم وقيم أخلاقية والعديد من أساليب التفكير الصحيح وتهدف جميعها إلى زرع الشهامة والتفاني والمروءة بداخل كل الحضور وكان الاجتماع يسعى إلى إمضاء وقت ممتع وتمرير ما هو مطلوب من الحكاية من خلال حملها على محمل ترفيهي.
وأشار إلى أن الدراما في يومنا هذا مطلوب منها الشيء ذاته، أن تحمل في حلقاتها وبين كلمات نصوصها العبرة والقيم الجميلة من خلال النصوص المحبوكة والقصة المشوقة والتنفيذ الذكي، وبالتالي يمكننا أن نصل إلى النتائج المرضية والمسلية بالعموم والتي تحمل مقولات ومفاهيم من شأنها أن تثري فكر المشاهد وتلفت انتباهه إلى قضية ما أو ظاهرة ما ومن خلال الموسيقا التصويرية والمشاهد الوجدانية التي تؤثر بالمتلقي وتجبره على التفاعل معها وتأييدها.