إعفاءات كثيرة طالت خلال سنوات مضت عدداً من المسؤولين دون أن يخضعوا للمحاسبة، حيث أعفي أكثر من مدير ومدير عام ووزير دون أن يظهر لاحقاً ما يفيد عن أسباب الإعفاء أو محاسبتهم وغالباً ما يتم الاكتفاء بإعفائهم من مسؤولياتهم وإلحاقهم بالإدارات المركزية أو الوزارات المختصة ويستمرون في حياتهم الوظيفية وكأن شيئاً لم يكن، الأمر الذي يشجع على الإفلات من العقاب.
الأخطر من ذلك عندما تتسع دائرة الشائعات والتأويلات حول الأسباب التي تحول دون تقديم مثل هؤلاء المسؤولين للمحاسبة أنه في أغلب الأحيان يتم الاكتفاء بتقديم أكباش فداء حتى لا تمضي المحاسبة إلى نهايتها وتصل إلى فئة أخرى في منظومة الفساد يطلق عليها حُماة الفساد، وثمة من يرى أن هناك شعوراً عاماً بوجود بيئة حاضنة للفساد وهذا بحد ذاته يشكل مبرراً لاستمرار الفساد في حين أن كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين لا يضعف مؤسسات الدولة بل يقوّيها ويعزز مصداقيتها.
من هنا يبدو السؤال مشروعاً بعد كل تغيير أو تعديل أو إعفاء لأحد المسؤولين في المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها وتعدد المناصب الموجودة فيها: هل هناك مساءلة بعد الإعفاء أو الإقالة؟ ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك: كيف جاء هذا المسؤول إلى المنصب وتبين فيما بعد أنه يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الشخصية الإدارية؟
الأمر بطبيعة الحال لا يرتبط بوقائع معينة أو أشخاص محددين وإنما أبعد وأشمل من ذلك لأنه يتصل بقياس أداء الأجهزة الحكومية ومؤشرات أداء الأجهزة العامة وقياس رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية، ولعل التساؤلات والأحاديث التي تعقب أي تغيير أو إعفاء هي نتيجة طبيعية لغياب المعايير في ظل غياب الأهداف القابلة للقياس ولاسيما أنه في مقدمة المبادئ العامة الأساسية لتطوير العمل في أي مؤسسة مبدأ العقاب والثواب من خلال وجود وحدة القياس والتقويم الدوري لأداء كل موظف وكل مسؤول وتحديد وتطبيق المعايير الرقابية أو معايير الأداء وقياس الأداء الفعلي، أي قياس نتائج الأعمال وتصحيح الأخطاء في الوقت المناسب.
أصل الحكاية هنا غياب الفهم المشترك لتوصيف الأسس والمعايير، ولو أخذنا مثالاً عن الخبرة نرى أن بعضنا يرى في شخص ما أنه صاحب خبرة لكن ثمة من يرى عكس ذلك وهنا يأتي هذا الشخص إلى موقع المسؤولية ليكتشف الجميع لاحقاً أنه يفتقر للخبرة.
لذلك يبدو أن موضوع الأسس والمعايير بحد ذاته يحتاج إلى توصيف حقيقي وواضح وقبل ذلك من الذي يحدد هذه المعايير وهل يمتلك خبرة التوصيف لخبرات غيره؟ الحل الأمثل لوجود محاسبة حقيقية يكون عبر عمل مؤسساتي متكامل للتقييم والمراقبة والمحاسبة كي لا تكون هذه المحاسبة مجرد ترحيل للمسؤوليات وقذف الكرة إلى ملاعب أخرى غير الملعب الذي تسلل إليه من يثبت تقصيره أو فساده.