بين سعي الرئيس الأميركي جو بايدن لعدم توسيع رقعة ميدان الحرب في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاهل الأمر والذهاب نحو فتح المزيد من جبهات المواجهة لإيمانه أن ذلك أحد أهم عوامل استمراره السياسي في السلطة وإفلاته من العقاب الداخلي الصهيوني، بين المشهدين يبدو أن الإدارة الأميركية تدرك حقيقة أن الأمور قد تفلت من عقالها وتخرج عن السيطرة، ما يجعل وجودها في العراق في خطر، ويحول قواعدها غير الشرعية في سورية إلى هدف سهل المنال للمقاومة، فيبدأ مشهد نقل التوابيت من تلك القواعد إلى واشنطن، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن حلول لذاك الوجود عبر سعيها لطرح خطة لحلفائها من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» للدخول في «شراكة» مع الحكومة السورية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي!
إضافة إلى تخوف الإدارة الأميركية من طيش وتهور نتنياهو المتوقع، فإن واشنطن تعي جيدا استحالة استمرار وجودها غير الشرعي إلى مالا نهاية، وعدم قدرتها على تحمل ضربات المقاومة التي تستهدف قواعدها بشكل يومي ليصل عدد الهجمات عليها إلى أكثر من 150 هجوماً منذ تشرين الأول الماضي، كل ذلك دفع وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» الى البحث عن مخرج يجعل الجنود الأميركيين خارج دائرة الموت، وفي هذا الإطار نقل موقع «المونيتور» الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقراً له، عن مصادر مطلعة تأكيدها ان «البنتاغون» طرح خطة على حلفائه الأكراد السوريين في الحملة ضد داعش للدخول في شراكة مع الحكومة السورية، كجزء من مراجعة متجددة لسياسة الولايات المتحدة في سورية والتي تجري حالياً في وزارة الخارجية وفي الولايات المتحدة عموما.
المصدر أوضح أنه تم تناول الخطوط العريضة للاستراتيجية المقترحة خلال اجتماع عقده مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض «NSC» بناءً على طلب من وزارة الدفاع لتشكيل لجنة سياسات مشتركة بين الوكالات «IPC» تضم ممثلين عن وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، تلك المشاركة الواسعة لأقطاب القرار في أميركا تؤكد أن هناك مؤشرات متزايدة على أن الانسحاب قد يكون حتمياً، إن لم يكن وشيكاً.
مجلة «إيكونوميست» الصادرة في لندن قالت في مقال لها: «لم يعد يفصل بايدن عن حرب في الشرق الأوسط سوى حادث»، الحادث الذي تتحدث عنه «إيكونوميست» قد يأتي عبر عدوان إسرائيلي يستهدف من خلاله شخصية قيادية من حزب الله أو المقاومة الفلسطينية أو إيرانية في بيروت أو دمشق أو طهران، الأمر الذي سيجعل أطراف محور المقاومة في حل من حالة ضبط النفس، والذهاب إلى حرب واسعة ومفتوحة بلا أسقف أو ضوابط كما أعلن سابقاً الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهو ما سيحشر إدارة بايدن في الزاوية سواء بقيت دون رد، وهذا أمر مستبعد، أو انخراطها بشكل مباشر إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما سوف يضع مستقبل بايدن الانتخابي في مهب الريح، ويفسح المجال واسعاً لمنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي يبدو أن نتنياهو يترقب ويراهن على قدومه.
حجم الأوزار تزداد على كاهل نتنياهو، ليحول مقتل 24 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً في منطقة المغازي وسط قطاع غزة، صباح قادة الكيان إلى صباح صعب، ويزيد العبء على نتنياهو، ويفسح المجال أمام خصومه للهجوم عليه، وتحميله نتائج العدوان الكارثية على الكيان، وربما يعجل في اتخاذه خطوات حمقاء على الجبهة الشمالية، تكون شرارة لحرب أوسع في المنطقة، ويحدث ما حذرت منه «إيكونوميست».
تسارع الأحداث في المنطقة، والتخوف من تحول الاحتكاك إلى مواجهة مباشرة، دفع بالإدارة الأميركية إلى تلمس رأسها في المنطقة، ومقاربة الأمور خوفاً على مصالحها، ما دفع بها إلى التأكيد على ضرورة «تخفيف» العدوان على غزة، وامتصاص غضب قوى محور المقاومة، حتى وصل الأمر لدرجة أن يقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الاثنين الماضي: «إنه إذا كان من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، فإن الولايات المتحدة ترى أن يكون ذلك الدفاع متوافقاً مع القانون الدولي لحماية المدنيين ولاسيما من المرضى والكوادر الطبية في المستشفيات»!