حين تشير التقديرات النسبية إلى حجم الدمار الذي تسببت به حرب القوات الإسرائيلية على قطاع غزة والشعب الفلسطيني فيه وتبلغ في أدنى التقديرات نسبته 70 بالمئة من المباني أي المنازل والمستشفيات والعيادات والمدارس والكليات الجامعية والمنشآت الخاصة والأسواق والمقابر، فهذا يعني أن جيش الاحتلال دمر عدداً كبيراً من المساجد والكنائس أيضاً، فقد ذكرت وسائل الإعلام التابعة للأمم المتحدة أن ما يزيد على ألف من المساجد جرى تدميرها بشكل شامل أو جزئي ولم تعد تصلح لاستخدامها في العبادة من إجمالي 12000 من المساجد المسجلة في إحصاءات القطاع، وأن ما يزيد على مئة أمام قد استشهدوا على أيدي قوات الاحتلال.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن حين نستعرض ما تقوم به المؤسسات الصهيونية واليهودية في العالم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة عندما كانت تقيم الدنيا ولا تسمح للعالم أن يقعدها إذا جرى تدمير بضعة أحجار من كنيس يهودي أو خراب جزئي بسبب استهدافه بتفجير إرهابي أو مقتل وإصابة رجل دين يهودي في كنيس على يد إرهابيين متعصبين، وكانت تملأ صفحات وسائل الإعلام بشعارات مثل «لن يُستهدف مرة ثانية كنيساً أو رجل دين» وتطالب العالم بألا يصمت على مثل هذه الأعمال، وبالمقابل تريد إسرائيل أن يصمت العالم كله على قيامها بتدمير ألف من المساجد وعدد من الكنائس المسيحية وقتل مئة إمام، وأكثر من 25 ألف طفل فلسطيني خلال أشهر وأن تستمر بهذا التدمير المنهجي ولا يندد بها أحد أو يطالبها بالكف عن هذه الجرائم الوحشية التي لم تعهدها البشرية طوال تاريخها.
كما يثبت عدد الشهداء في هذه الحرب الإسرائيلية و80 بالمئة منهم من المدنيين الأطفال والنساء بأن حربها موجهة لقتل أكبر عدد من المدنيين لأن الشهداء من رجال المقاومة لا يزيد عددهم على الآلاف، وما زال عشرات الآلاف منهم يقاتلون جيش الاحتلال في ميادين القتال ويكبدونه خسائر بالآلاف من القتلى وبالآلاف المضاعفة من الجرحى في معارك التصدي له على أرض قطاع غزة، وبالمقابل تشير إحصاءات منظمة يونيسيف التابعة للأمم المتحدة إلى ولادة عشرين ألفاً من الأطفال الفلسطينيين في القطاع في الأشهر الثلاثة التي دامت على هذه الحرب الوحشية، أما على الجانب الآخر من الصورة فقد تبين أن عشرات الآلاف من المستوطنين الذين لا يحملون جنسيات أخرى إلى جانب جواز السفر الإسرائيلي فروا إلى ألمانيا وإلى البرتغال بعد أن منحوا تأشيرات دخول سياحية لمدة ثلاثة أشهر فتبين أنهم يريدون البقاء في هاتين الدولتين بعد انتهاء المدة السياحية التي حصلوا عليها ليتحولوا إلى لاجئين من الدرجة الأولى، في حين عاد المستوطنون من أصل ألماني إلى ألمانيا بصفتهم مواطنين ألماناً يتمتعون بحقوق مماثلة لكل الألمان، ولم يعودوا لاجئين بل عائدين لأوطانهم التي جيء بهم منها بعد الحرب العالمية الثانية إلى فلسطين، وبهذه النتائج حقق الصمود الفلسطيني في قطاع غزة والمقاومة المرافقة له في ميادين القتال منذ السابع من شهر تشرين الأول انتصارات أجبرت المستوطنين على الفرار إلى أوطانهم في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وروسيا الاتحادية بعد 75 عاماً على هذا المشروع الاستيطاني الاستعماري البريطاني الذي فرضته قوى الاستعمار على الشعب الفلسطيني ووطنه، فعملية طوفان الأقصى لم تكشف نقاط ضعف جيش العدوان الصهيوني فقط، بل دمرت أيضاً رغبة المستوطنين في البقاء في هذا الكيان الذي لم يحقق لهم أمنهم الاستيطاني والاجتماعي والشخصي، ففضلت نسبة متزايدة منهم خلال الثلاثين سنة الماضية التخلي عن البقاء فيه بعد أن تبين لها أن الفلسطينيين أصحاب الوطن وتاريخه أصبحوا سبعة ملايين فيه من رأس الناقورة حتى قطاع غزة، ولم ولن يتخلوا عن انتزاع حريته من المستوطنين ومشروعهم الاستعماري، وكذلك حريتهم كأصحاب لهذا الوطن، كما لم تتمكن كل قوى الاستعمار التاريخية العالمية من حماية هذا الكيان وضمان أمن المستوطنين فيه، فما وقع حتى الآن لجيش الاحتلال زلزل أهم أركان ووجود هذا المشروع الصهيوني وهو الهجرة اليهودية إليه بعد أن توقفت بشكل شبه دائم منذ عام 2000 يضاف إليها الهجرة العكسية التي ينفذها بضعة ملايين من المستوطنين نحو أوطانهم بعد يأسهم من ضمان أمنهم لينضموا إلى الجاليات اليهودية التي بقيت في أوطانهم، وبهذه الإنجازات التي تحققها المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه تزداد سنة تلو أخرى انتصارات الشعب الفلسطيني ويتعاظم الأمل بتحقيق تقرير مصيره وعودته إلى وطنه.