في التاسع من شهر شباط القادم سيدخل الفنان القدير دريد لحام عامه التسعين، وهذه مناسبة أحسب أنها عزيزة على كل السوريين على اختلاف مشاربهم، فالأستاذ دريد ليس مجرد فنان مبدع، بل هو أحد أبرز صناع المسرة في تاريخ سورية المعاصر.
من المعروف أن الأستاذ دريد قد درس الكيمياء في جامعة دمشق وحصل منها على إجازة في العلوم الكيميائية عام 1958. صحيح أنه لم يعمل في تدريس الكيمياء سوى عامين لكنه أمضى عمره في دراسة وتدريس كيمياء الطباع البشرية، فبعد تخرجه بعامين عمل في مسلسل (الإجازة السعيدة) عام 1960، إلا أن ولادته الإبداعية الحقيقية كانت في عام 1968 عندما قدم (مقالب غوار)، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف عن تطوير أدواته والارتقاء بفنه، مما أكسبه شهرة واسعة في مختلف أنحاء الوطن العربي، فمنح أوسمة تقديرية من سورية والأردن وتونس وليبيا ولبنان ومصر، كما منح دكتوراه فخرية من إحدى الجامعات، وقُدمت له شهادات تقدير لا تعد ولا تحصى.
لم يكن دريد لحام مجرد مبدع في مجال واحد، بل هو رجل متعدد المواهب، قام خلال مسيرته الإبداعية بكتابة وإخراج الكثير من الأعمال التي لعب أدوار البطولة فيها، كما قدم العديد من الأغاني والاسكتشات وشارك في 21 مسلسلاً تلفزيونياً و11 مسرحية و36 فيلماً كان آخرها فيلم «يومين» للمخرج باسل الخطيب، عن قصة من تأليف الأستاذ دريد، أجاد الأستاذ تليد الخطيب في تحويلها من لغة الأدب إلى لغة السينما.
تجري أحداث فيلم (يومين) في بلدة غير محددة الاسم والموقع، وتتمحور أحداثها حول شخصية الرجل الثمانيني غيث الذي يعيش مع ابنته المعلمة المطلقة سلمى (رنا شميس)، ويكسب رزقه من دخل حانوت صغير يبيع فيه الفواكه والخضروات والمواد الغذائية، كما يقوم فيه بتصليح الأدوات الكهربائية، وتربطه علاقة صداقة مع المختار الذي لعب دوره الفنان القدير أسامة الروماني، وكان ذلك هو آخر ظهور له قبل الرحيل.
أثناء إحدى أسفاره إلى المدينة يلتقي غيث الطيب بطفلين يزعمان أنه جدهما ثم يتبين أنهما هاربان من منزل عائلتهما، لأن والدهما «حازم زيدان» مدمن على المسكرات ولعب القمار، اعتاد ضرب أمهما وإساءة معاملتهما. في هذا الفيلم تنسحب الحرب من مقدمة المشهد ليقتصر حضورها على شخصية عسكري لطيف يقف على أحد الحواجز يؤدي دوره الفنان الشاب (مؤنس مروة).
بدأت تجربة المخرج باسل الخطيب مع الأستاذ دريد لحام بفيلم «دمشق- حلب» عام 2018 فحقق الفيلم نجاحاً نقدياً وشعبياً وفاز بعدة جوائز، فكررا التجربة عام 2021 بفيلم «الحكيم»، الذي لم يكن نجاحه أقل من سابقه. وها هو الركن الثالث من التجربة يتجلى في فيلم «يومين» الذي نتوقع له نجاحاً لا يقل عن سابقيه.
قبل بضع سنوات سمعت الأستاذ دريد لحام يقول لأحد المذيعين أنه لم يقدم العمل الذي ينتظره ويطمح إليه، «فهو يعتبر حياته الفنية مثل سورية التي لم يأتها اليوم الجميل بعد».
صحيح أن أعياد الميلاد مناسبات شخصية تعني أصحابها ومن يلوذون بهم، لكن عيد الميلاد التسعين للفنان القدير دريد لحام ليس مجرد مناسبة شخصية، فالأستاذ دريد ليس فناناً عادياً بل هو أحد أبرز المبدعين في صناعة المسرة في تاريخ سورية. لذا أستغل هذه الفرصة كي أقترح على الجهات المعنية أن تقيم عدة مناسبات ثقافية، سينما ومسرح وتلفزيون وموسيقا، بغية إعادة تذكير السوريين والعرب عموماً بالقيمة التي قدمتها هذه القامة الإبداعية العالية.