مسرحُ الأطفال بين المتعة والتربية … هل يكون إسعاد الطفل على حساب القيم التي يحتاجها المجتمع؟
| أنس تللو
كما تُعدُّ الأم لأطفالها طعاماً مفيداً ولذيذاً يمنحهم غذاء وافياً صالحاً لبناء الأجسام، كذلك فإن هناك جهات ثقافية أدبية تصنعُ للطفل وجباتٍ أدبيةً فنيةً راقية، وكما تحرِصُ الأم على تنقية وجبة أولادها الغذائية من الشوائب، كذلك فإن تلك الجهات ينبغي أن تكون حريصة على تنقية تلك الوجبات الأدبية الفنية من الأضرار، والأمر هنا أشد خطراً وينبغي أن نكون أشد حذراً.
عالم الطفل
إن الدخول إلى عالم الأطفال فنٌّ راقٍ دقيق، يتطلب وعياً كبيراً وذائقةً متميزةً وحساً مرهفاً وبعداً إنسانياً مثالياً، وإن أخطر أنواع الكتابة وأشدها صعوبة هي الكتابة للأطفال، ذلك أن الطفل في هذه المرحلة تنمو لديه طاقات الوجدان من خلال ما يراه وما يسمعه من هنا وهناك ؛ تلك الطاقات التي ستحدِّد فيما بعد سلوكه وتصرفاته حين يكبر.
ومن المعروف أن المسرح عموماً يمثل لدى بعض الأمم مصنعاً للشعوب لأنه منبر عريض للنصح والتوجيه والإرشاد، ولأنه يرتقي بالذوق العام إلى جملة من الفضائل والقيم العليا، ولعلَّ مسرح الأطفال هو أرقى الفنون الأدبية جميعاً التي يمكن من خلالها الوصول إلى أعماق الطفل ووجدانه السلوكي، إذ هو يمنح الأطفال صوراً فنية بناءة راقية تنطبع في وجدانهم وتمنحهم الهدوء والاتزان.
تجربة مع مسرح الطفل
منذ أيام اصطحبت أولادي إلى أحد مسارح الأطفال ليتابعوا إحدى المسرحيات الرائجة، وقد خرجوا مسرورين جداً بهذا العرض.
ولكن… ومع احترامي الشديد وشكري الجزيل لكل عناصر المسرح من الممثلين والمخرجين والمعدين وبقية الكوادر؛ فإني أودُّ القول إن الأم تكون مدرسة للأولاد حين تعلمهم الاحترام والأخلاق الحسنة عن طريق احترامها لأبيهم أمامهم، ولا أظن أنه من اللائق أن تعتمد المسرحية على رعونة الزوج وسهولة خداعه من الجار وعلى قيام زوجته بضربه مرة بالعصا علناً أمام الجمهور ومرة داخل البيت بأدوات أشد ضراوة؛ ونحن نسمع صوته يصيح ويتلوى من الألم، وأظن أنه من المعيب أن تقول الأمهات أمام أولادهن على مدرج المسرحية عن الأب إنه ( أكل أتلة) فيضحك معهن الأولاد.
ثم وفي نهاية المسرحية يصبح الرهان الأساسي يعتمد على قرار الزوجة في تصرفات زوجها، وهل تضربه أم تصفح عنه، فيصيح الجمهور يرجون الزوجة ألا تضرب زوجها على حين الجار كان واقفاً أمام الزوجة يشجعها على ضرب زوجها ويعدد لها مساوئه من أجل أن يكسب الرهان ويستولي على دكان هذا الزوج المسكين.
أإلى هذا الحد وصلنا؟
إن في هذا امتهاناً كبيراً للعلاقة الزوجية الناجحة التي يفترض أن نربي الأجيال على احترامها.
لقد ظننت أن مسرح الأطفال سيعلم الأطفال أمور الأخلاق والتعامل والمحبة والإنسانية، وليس أموراً كهذه تطيح بأبسط أنواع التربية السليمة والذوق العام.
لقد جعلني هذا العرض أتذكر تلك المسرحية القديمة التي كانت تزدري المعلم وتسخر منه، وكان لها تأثيرٌ سيئ على صورة المعلم في مجتمعاتنا العربية، والآن هذه تنتهك صورة الأب، وتنال منه، وفي هذا انتهاك لحرمة الحياة السليمة المحترمة الراقية، إذ لا يجوز تربوياً ولا أخلاقياً عرض فكرة ضرب الزوجة لزوجها لا عن طريق الجد ولا عن طريق الهزل.
إن مسرح الأطفال يجب أن يكرِّس مفهوم الاحترام المتبادل بين الأم والأب، وكيفية المحافظة على العلاقة الأسروية الصالحة، وبيان أن كل علاقة لا يترأسها الاحترام يكون مصيرها الفشل؛ ذلك أن جزءاً كبيراً من وظيفة مسرح الطفل هو تقويم الإعوجاج في السلوك الاجتماعي إن وجد بشكل غير مباشر ليستقر هذا التقويم في سلوك الطفل مدى العمر؛ وليس تدميراً للبنية الاجتماعية الباقية من الأخلاق وعلاقة أفراد العائلة الواحدة ببعضها البعض.
ألا يكفينا ما أفسدته الأفلام والمسلسلات الغربية من علاقاتنا العائلية.
إن الفنون عموما هي مادة ثقافية نقدمها للآخرين، وتتحول إلى نظم تربوية كاملة ومؤثرة جدا بشكل خاص عندما تقدم للأطفال واليافعين، لذلك فإنه من الخطورة بمكان أن تُترك الأمور هكذا دون رقابة واعية للنتائج التي تنجم عن هذه المواد الثقافية.
إن التربية النفسية والأخلاقية للطفل ضرورية لأنها تُنمِّي وجدانه، وتحافظ على مشاعره من الألم.
ولكن يبدو أننا حتى الآن لم نرتق إلى مستوى المسرح.