بعد أكثر من ثلاثة أشهر على عملية طوفان الأقصى ونتائجها المدمرة على أمن الكيان الإسرائيلي ومعنويات جنوده والمستوطنين فيه، تمكن عدد من الضباط من القادة العسكريين المتقاعدين والسياسيين من عقد «مؤتمر أمني» في مدينة عسقلان في 25 كانون الثاني الجاري تحت عنوان «قرارات السنة المقبلة ستحمل آثارها على مئة سنة مقبلة» وكان في مقدمة المعدين للمؤتمر منظمة «المجموعة الأمنية» المستقلة برئاسة العميد المتقاعد أمير أفيفي وبمشاركة «المعهد اليروشالايمي للقضايا العامة والسياسية» اليميني المتشدد، وفي هذا المؤتمر أعلن أفيفي أن «منظمته كانت قد حذرت قبل سنتين من السكوت على عدد من التغيرات العالمية والإقليمية التي هدفت إلى تغيير واقع الشرق الأوسط لتدمير إسرائيل» وأوضح أن ما جرى منذ السابع من تشرين الأول كان مقدمة لهذا المخطط الذي تنفذه فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية بدعم من دمشق وطهران، ودعا إلى «أهمية التركيز على الأمن الإسرائيلي على المدى البعيد»، وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد بعث بخطاب مسجل لهذا المؤتمر أعلن فيه تمسكه باستمرار العمليات العسكرية والتوسعية في القطاع دون توقف وطالب وزير المالية باتسليئيل سموتريتش في المؤتمر عائلات الجنود والمستوطنين الأسرى بالكف عن الضغط على الحكومة في موضوع الأسرى «وإبلاغها بالحقيقة الصريحة حول هذا الموضوع».
ويبدو أن بعض المشاركين في هذا المؤتمر سمحوا لأنفسهم بالكشف عن عدد من الخطط المعدة لما بعد هذه الحرب الوحشية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فقد ذكر قائد القوات البرية سابقا الجنرال المتقاعد، يفتاح رون طال، أن «المطلوب الآن تنفيذ خطة تحويل القطاع إلى مناطق معزولة السلاح وأنه وضع خطة أطلق عليها اسم «فيلادلفيا شمال» وتهدف إلى بناء حاجز يفصل بين رفح وخان يونس وبناء سياج بينهما من جهة وبين شمال القطاع من الجهة الأخرى» وهذا ما يشبه الباندوستانات التي أنشأها المستوطنون البيض في جنوب إفريقيا لتحويل مناطق السكان أصحاب الأرض إلى كانتونات منعزلة عن بعضها بعضاً. ويبدو من الواضح أن الكيان الإسرائيلي سيحاول السعي إلى تقسيم أراض القطاع وتجزئة الشعب الفلسطيني فيها داخل أضيق معازل منفصلة عن بعضها بعضاً بعد أن بدأ بتجريف أراض واسعة شمال القطاع لاستخدامها منطقة عازلة رئيسة عن طريق السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة منذ عام 1948 للاستفراد في محاصرة كل منطقة وعزلها عن الأخرى، كما طرح آخرون خططا لعزل المقاومة الفلسطينية عن شقيقتها اللبنانية من جهة والعمل على عزل محور المقاومة بقيادة طهران ودمشق عنها.
ولاشك أن هذه الخطط لن يكتب لها أي طريق لا للتنفيذ ولا للنجاح لأن مرحلة ما بعد هذه الحرب الوحشية لن يرسمها الكيان الإسرائيلي لأنه هزم فيها أمام المستوطنين والحلفاء الغربيين الذين وجدوا أن كيانهم الاستيطاني الاستعماري في فلسطين بدأ ينهار من الداخل ومن الجوار وأن محور المقاومة الذي يدعم هذه المقاومة يزداد قدرة ومصداقية إقليمية في وحدته وعالميته بفضل علاقاته المتينة مع موسكو وبكين، وبالمقابل ولدت هزيمة الكيان في حربه الوحشية لإبادة الشعب الفلسطيني هزيمة مماثلة لكل حكومات الغرب التي وقفت معه في هذه الحرب وتحولت بعد 26 كانون الثاني جميع قرارات محكمة الجنايات الدولية إلى إدانات لهذا الكيان أمام العالم والرأي العام بارتكاب جرائم حرب من أعلى هيئة قضائية دولية تدين كل هذه الحكومات وتجبرها على الكف عن دعم وتأييد خطط الكيان ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه، ولهذا السبب اعترف المؤتمر الأمني الإسرائيلي بأن عام 2024 حمل أسوأ النتائج على مستقبل الكيان الإسرائيلي محليا وإقليميا وعالميا وعلى مستوى القضاء الدولي وسيولد مضاعفاته ويرسم معالم غير مسبوقة لمصلحة الشعب الفلسطيني وعلى مرحلة ما بعد هذه الحرب الوحشية التي شنها في قطاع غزة والضفة الغربية، وكان مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي قد توقع أن تستغرق مرحلة ترميم القدرات العسكرية الإسرائيلية واستعادة التوازن لمعنويات الجيش وثقة المستوطنين به عشرات السنين وستجبر الكيان على دفع ثمن باهظ من قدرته على الاستقرار.