ثقافة وفن

وزارة الثقافة والأمانة السورية تفتتحان معرض «الزجاج المنفوخ» … د. لبانة مشوّح: سورية تعتز بكل مكونات هويتها الثقافية التي يشكل فيها التراث المادي واللامادي عنصراً أساسياً

| مايا سلامي - تصوير طارق السعدوني

احتفالاً بإدراج عنصر نفخ الزجاج التقليدي ضمن قائمة الصون العاجل للتراث الإنساني في اليونسكو لعام 2023، افتتحت وزارة الثقافة بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية مساء أمس معرض «الزجاج المنفوخ- جمال التكوين وعراقة الصنعة» في خان أسعد باشا بدمشق.

وتضمن المعرض الذي أقيم بحضور رسمي تكريم اثنين من شيوخ كار هذه المهنة التراثية الأخوين أحمد ومحمد محمود حلاق اللذين أديا دوراً ريادياً في المحافظة على هذا الإرث الثقافي طوال سنوات الحرب كما حرصا على نقله إلى الأجيال الشابة الجديدة.

حماية التراث وصونه

وافتتح حفل التكريم بكلمة ألقتها وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح أكدت خلالها أن تسجيل نفخ الزجاج يدوياً في قوائم التراث الإنساني وإدراجه على قائمة الصون العاجل حدث له أهمية بالغة في صون هذه الحرفة التي باتت في سورية مهددة بالخطر.

وأشارت إلى أن عدد ورشات العمل كان قبل الحرب أربع عشرة ورشة، انخفض إلى ثلاث ورشات فقط في دمشق، إذ دمر الإرهاب كل الورش التي كانت نشطة في حلب وإدلب ولا سيما في مدينة أرمناز.

وأوضحت أنه في عام 2014 توفي شيخ الحرفيين محمد نزار قزاز وأغلقت ورشته في التكية السليمانية فلم يَتَبَقَّ سوى ورشتين للأخوين أحمد ومحمد حلاق اللذين نعوّل الكثير على حسهما الوطني وحرصهما على الاستمرار في ممارسة الحرفة وتدريب وتأهيل جيل جديد من الحرفيين الشباب لإبقاء هذه الحرفة الجميلة الأصيلة حية.

وأشارت إلى أنه عندما ندرج عنصراً لا مادياً على قائمة الصون العاجل هذا يرتب علينا التزامات لصونه وضمان انتقاله إلى الأجيال القادمة والترويج له وتطويره، لافتة إلى أن هذا ليس بالأمر السهل ولا تقع مسؤوليته على جهة واحدة وإن كانت هي الجهة المرجعية في أمور حماية التراث الوطني وصونه.

كما بينت أن التراث تراث وطني والمسؤولية مسؤولية وطنية ولابد من التعاون بين كل الجهات المعنية العامة والأهلية والخاصة في مسألة الحماية والصون وعلى هذا الأساس ينبغي النظر في الصعوبات الجوهرية التي تهدد الحرفة بالزوال والبحث عن حلول غير تقليدية لها.

وفي الختام توجهت د. مشوّح بتحية إلى الأمانة السورية للتنمية في دعم صون التراث اللامادي والتي حملت عبئاً كبيراً في إعداد هذا الملف، وبالشكر الكبير للسيدة الأولى أسماء الأسد المؤمنة بأهمية تراثنا الوطني وبضرورة حمايته وصونه وحسن إدارته واستثماره كأحد محركات التنمية المستدامة.

عنصر أساسي

وفي تصريـح لوســـائل الإعــــلام قالــت وزيرة الثقافــة د. لبانة مشوّح: «في الواقع إن سورية تعتز بكل مكونات هويتها الثقافية التي يشكل فيها التراث المادي واللامادي عنصراً أساسياً، واليوم آن لنا الأوان أن نحتفي بالزجاج المنفوخ يدوياً الذي سجل في نهاية العام الماضي على قائمة التراث الإنساني العالمي وعلى قائمة العناصر المهددة بالخطر».

وأضافت:«آن الأوان لنخطو هذه الخطوة لأنه لدينا الكثير من عناصر التراث السوري التي تعاني من مشكلة بسبب الحرب التي شنت علينا، وبسبب أجواء الحصار المفروضة فهناك مواد أولية من الصعب تأمنيها ونقص في الكهرباء والوقود إضافة إلى القوة الشرائية واستطاعة الحرفي تصدير نتاجه».

وتابعت: «نحن كوزارة ومؤسسات مجتمع أهلي ومحلي ومدني وكممارسين وحملة لهذا التراث ملزمون بدعمه وصونه بالتدريب المستمر وتأمين مستلزمات إنتاجه والبيئة المناسبة من قرارات وتشريعات تصدر في هذا الصدد لضمان استدامة هذا العنصر الذي يشكل عاملاً حاسماً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية».

تعبير عن الأصالة

من جانبه بين الرئيس التنفيذي للأمانة السورية للتنمية شادي الألشي أن حضور سورية برز مؤخراً ثقافياً وفكرياً على المستوى الدولي من خلال تسجيل خمسة عناصر من التراث اللامادي على قوائم اليونسكو، وهذا الشيء تم بتعاون كبير بين المجتمع ومؤسسات حماية الهوية الثقافية السورية.

وقال: «نجاحنا بتسجيل العناصر ابتداءً من عنصر الصقارة والقنص في عام 2010 مروراً بخيال الظل والوردة الشامية والقدود الحلبية وصناعة العود وانتهاء بنفخ الزجاج ما هو إلا تعبير واضح عن أصالتنا وتمسكنا بهويتنا وعراقتنا، ونحن كمؤسسة تنموية منظورنا في مجال التراث اللامادي يتمثل في انعكاساته الكبيرة والمهمة والجوهرية لتحقيق التنمية إلى جانب المنظور الثقافي والفكري وهذا الشيء يصب في حماية الهوية الثقافية السورية».

وأشار إلى أنه خلال السنوات السابقة انطلقت عدة عمليات لإعادة إحياء الكثير من المواقع المهمة مثل التكية السليمانية وأسواق حلب القديمة، منوهاً بأن العمليات لا تزال جارية على العديد من المواقع التي تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب، وأن عمليات إعادة الإحياء هدفت إلى الحفاظ على القيمة التاريخية والتراثية التي لا تكتمل من دون عودة النشاط الاجتماعي والاقتصادي إلى تلك المواقع ومحيطها.

وأضاف: «الحرف التقليدية تجسد الجمال والكفاءة والوظيفة والمنفعة من خلال الفرص الاقتصادية والمعيشية والسياحية والتنموية التي توفرها للمجتمعات والأفراد وذلك عندما يتم التعاطي معها بشكل صحيح، ووجودنا اليوم للاحتفال بهذا الإنجاز هو دعوة للتراث ليكون فرصة تنموية كبيرة تحقق الازدهار والنهضة».

بوصلة العمل

وقالت مديرة البرنامج الوطني للتراث الحي في الأمانة السورية للتنمية د. يارا معلا: «هذا اليوم هو تتويج لعملنا وجهودنا كمؤسسة تنموية الغاية الأسمى لها صون الهوية الثقافية المتنوعة والمنفتحة بكل حواملها التنموية، ولا يخفى على أحد أن التراث الثقافي هو أحد أهم هذه الحوامل التنموية التي تدفع عجلة التنمية في سورية، لذلك كان تمسكنا بحماية إرثنا الثقافي بشقيه المادي واللامادي هو بوصلة العمل ببرنامج التراث الحي», مضيفة: «مرحلة الاحتفال هذه هي أول مرحلة حقيقية لننطلق بعمل تنموي حتى نصون هذا الإرث الثقافي، ونحن في الأمانة السورية نعمل بالشراكة وتحت مظلة وزارة الثقافة ولكن نعمل أيضاً يداً بيد مع المجتمعات المحلية ومع حملة التراث الثقافي حتى نصون هذا التراث ليجلب لنا عوائد اجتماعية واقتصادية».

المكرمان

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال الحرفي المكرم أحمد الحلاق: «توارثنا هذه المهنة عن آبائنا وأجدادنا ومعروف تاريخياً أن دمشق أول من نفخ الزجاج بالعالم، وحافظنا على هذه المهنة كما علمنا وأوصانا أجدادنا، لكن خلال فترة الحرب أصبح هناك جمود وقلة في أعداد الحرفيين وتوقفنا عن العمل لمدة طويلة».

وأكد أن تسجيل هذه المهنة في اليونسكو يعطي دعماً وتشجيعاً لإحيائها لتبقى مستمرة، وهو بمثابة اعتراف عالمي بأن أصول هذه المهنة تعود إلى دمشق.

كما أوضح الحرفي محمد الحلاق أنه: «منذ أكثر من ستين عاماً ونحن نعمل في معملنا بخان الزجاج الموجود في منطقة باب شرقي، أنا وإخوتي وأولادنا ونحن مستمرون بتوريث هذه المهنة للأجيال الفتية»

وأضاف: «سعدت جداً بهذا التكريم لأنه رفع اسم سورية بعد الحرب التي مرت بها، واستطعنا أنا وغيري من الزملاء الحرفيين أن نصمد في وجه كل محاولات تدمير الإرث الثقافي حتى تبقى هذه الحرف والأعمال حية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن