ثقافة وفن

عرابة بيروت… دراما اجتماعية مشوقة من الستينيات … ما الذي يخفيه المكياج والملابس المثيرة لفتيات الملاهي الليلية؟

| مصعب أيوب

يفتتح عرابة بيروت أولى حلقاته بمشهد جنازة طفلة «ريما» ابنة إحدى السيدات المتنفذات في المجتمع، لنكتشف في قادم الحلقات أنها جنازة وهمية، وقد فبركت الأم هذه الميتة لتبعد ابنتها عن أيدي أعدائها بعد أن بات لها تداخلات وتشعبات هنا وهناك وعلى حد وصفها (تهز عرش بلد).

خبايا السياسة

مكان مبهر وأجواء ساحرة واستعراضات غنائية وفي مكان ما داخل هذا النادي تحاك قصص حساسة حول المال والسياسة والنفوذ والسلطة كما أراد كاتبا العمل «مازن طه ونور الشيشكلي».

يعتمد العمل على البطولة النسائية وفي مقدمتهم عرابة «أولد بيروت» مسرح الأحداث، تديره «جولييت» صاحبة النفوذ التي كشفت الكثير من خبايا السياسة وأسرارها وتتخذ من ذلك مستمسكاً ضدهم لتحقق مآربهم ومخططات من يقدمون الدعم لها ولاسيما في الترشيحات الانتخابية، فتتخذ من بعض العلاقات الشائكة لبعض رجال السياسة التي لا يعرفها أحد سواها ورقة ضغط ضدهم.

محرك الأحداث

يؤدي مهيار خضور دوراً محورياً في العمل، فهو محرك الأحداث ويخبئ قصة ماضٍ مرير بين أبيه الذي تزوج سابقاً من جولييت والذي جاء مؤخراً ليستعيد حقه في ورثة أبيه ولاسيما العقار الذي أشيد عليه الأولد بيروت، فيخوض غمار المواجهة الصريحة مع ندته جولييت التي تعتبر المكان «النادي الليلي» عالمها الوحيد وحوله ترتكز كل الأمور، وتأبى أن تسلمه إلى باسل الذي يتحرى هنا وهناك ليكشف زيف رواية جولييت حول قضية وفاة ابنتها ريما، لتجمعه الأحداث ذات مساء بأخته من أبيه ويخبرها بكل التفاصيل وبحقيقة أمها التي ليست بمعزل عنها ويؤكد لها أنه يقف إلى جانبها ولن يسمح لأي شخص أن يؤذيها.

ألم دفين

المكياج اللافت والشعر المصفف والملابس المثيرة وكل مظاهر الجمال تخفي وراءها ألماً دفيناً في حبكة تصاعدية تؤكد أن الكثير من الضحك تشوبه دموع الماضي الأليم، فلكل فتاة هاجس يسكنها وماض مرير أفضى بها إلى أن تكون بنت ليل أو بائعة هوى.

فتعرضت زينة لمعاناة شديدة في طفولتها المبكرة عندما كان يعتدي زوج أمها عليها جنسياً دونما أن تحرك الأم أي ساكن بعد علمها بذلك، وهو ما خلق بداخلها مشاعر البغض لهذه الأم غير الآبهة بابنتها التي تؤدي دورها جيسي عبدو، وبمرور الأيام وبعد وفاة الأم التي أصابها الشلل تكتشف زينة أن أمها لم تسكت عن حقها، واقتصت لابنتها وبأنها هي من دهست زوجها الذي اعتدى على ابنتها بالسيارة ولكنها لم تصرح بذلك خوفاً من العواقب القانونية.

تسلط ذكوري

كما قدم العمل صورة واضحة عن معاناة المرأة المستمرة منذ الأزل ويركز على تسلط الرجل وإحكام قبضته عليها وتحديد مصيرها، فمي «نادين الراسي» التي تعيش زواجاً مع وقف التنفيذ يجمعها برجل يحتمي بقوة القانون في قضية حضانة الأطفال ويقدمها لقمة سائغة لزبائن الهوى تخفي عن عائلتها طبيعة عملها في الملهى الليلي بذريعة أنها تعمل في مساعدة امرأة عجوز طاعنة في السن، فتقع في ورطة بين زميل لها يحرك بداخلها مشاعر الحب والأحاسيس الدفينة وكل ما افتقدته مع زوجها الوصولي الاستغلالي ويحاول إقناعها بأن تنفصل عن زوجها، وتكمل حياتها معه وخوفها من أن تفقد أولادها في حال ارتبطت بمن أوقد شعلة الحب بداخلها.

العرض الأخير

أما باتريسيا «رولا بقسماتي» التي غادرت ضيعتها وأهلها من منطلق أنها تتمتع بصوت ذهبي وموهبة فنية عالية ويمكنها أن تقدم عروضاً متميزة في مملكة جولييت، فتستقبلها الأخيرة بكل رحابة صدر ويبقى همها الوحيد هو أن تحظى بتقديم العرض الأبرز والأهم في النادي، لتبهر الحضور فيه حسبما تعتقد وتحارب حتى النفس الأخير من أجل ذلك، وهو ما حققته فعلاً في الحلقة العاشرة والأخيرة ليكون عرضها الأول والأخير بعد مضاعفات العمل الجراحي الذي كانت قد خضعت له قبل أيام من العرض والذي قد أودى بحياتها بالتزامن مع انتهاء العرض.

علاقة حب باردة

كاميليا فتاة مصرية من أسرة ريفية هربت من مكان عملها في سن مبكرة بعد أن قتلت صاحب ورشة الخياطة التي كانت تعمل بها عندما حاول اغتصابها، فاستقبلت جولييت الفتاة التي تؤدي دورها نور الغندور، وقدمت لها كل الدعم وجعلتها في صدارة المشهد في مملكتها، بعد أن أسندت إليها مهمة تقديم الـ«شو» الأهم في النادي، إلى أن تقع في وقت لاحق بعلاقة حب غير مستقرة وباردة ويشوبها الفتور بعمار «بديع أبو شقرا» الذي اتخذته جولييت كرجل أمن للنادي والذي يؤمن الحماية لها وللفتيات بالتعاون مع فريقه.

يختتم العمل حلقته الأخيرة بمشهد جنائزي، ولكن هذه المرة حقيقةً وليست إيهاماً، بعد أن أقدمت زينة على قتل ريما عن طريق الخطأ عندما كانت تريد قتل جولييت التي تجبرت، وبعد أن طمعت زينة بأن تصبح هي عرابة الأولد بيروت.

فعلى الرغم من سيطرة البطولة النسائية على العمل فإن خضور قدم دوره ببراعة عالية مناصفةً مع بديع أبو شقرا وعمار شلق وغيرهما.

مخرج متميز

يحسب للعمل اهتمامه بالتفاصيل والجزئيات الصغيرة من ليالي السهر أيام الستينيات، فقدم بيروت آنذاك بالصورة التي تستحقها، انطلاقاً من كونها سويسرا الشرق، كذلك فقد وفق فريق العمل بلمسة المخرج الساحرة والذي تعمد خلق التشويق في كل حلقة، والذي لم ينس نقل صورة واقعية ومفصلة عن شوارع بيروت وسهراتها وحتى سياراتها.

أراد مخرج «للموت» التشويق في رؤيته الإخراجية من خلال تقديم مشهد افتتاحي عند بداية كل حلقة عن ماضي إحدى الشخصيات أو أحداث جوهرية كان لها أثر بالغ في مجريات الأحداث.

يذكر أن العمل قد أعلن عن بدء التحضير له في عام 2020، ولكن لأسباب عدة فقد تم التأجيل إلى أن دارت كاميرا مخرجه صيف العام المنصرم ويبصر النور مع نهايته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن