اقتصاد

كيف تتصرف المؤسسة إزاء الفيل؟

| د. سعد بساطة

ذكر المهندس عصام، أنه قبل العديد من السنوات، كان هنالك برنامج تدريبي لطلبة الهندسة العرب، من المبتعثين إلى «كوكب اليابان»؛ لصناعة وصيانة السيارات الحديثة. كان التدريب بإشراف خبير ياباني فذ ضمن شركة عالمية معروفة.

طلب المشرف الياباني من الطلاب في مراحل التدريب الأولى: استخدام شريط لاصق لتثبيت لوحة إلى الأرض تتضمن أشكال كامل المكونات المتعلقة بالسيارة.

نفذ الطلبة أمر مدربهم، ولكن بعضهم أخطأ بعدم وضع الشريط اللاصق بشكل مستقيم ١٠٠ بالمئة؛ مما نتج عنه تعرجات بسيطة لا تكاد تذكر!

وعلى الرغم من أن التصنيع الفعلي لم يبدأ وليس هنالك علاقة «مباشرة» بين اللوحة ولاصقها، مع عمليات تصنيع السيارة، إلا أن المشرف وجه الطلاب أن يعيدوا العمل بتثبيت الشريط اللاصق بشكل صحيح ودقيق ١٠٠ بالمئة!

دهش المتدربون.. وسألوا مشرفهم ولماذا المبالغة في تلك التفصيلات الجزئية الصغيرة؟.. أجاب بكل جدية عندما نتهاون في الهفوات الصغيرة، فالنتيجة حصول الأخطاء الضخمة.

و.. هنالك بذات السياق:حكاية أسطورية عن طفل صغير فوجئ ذات يوم بأن هنالك فيلاً صغيراً يتجول في بيته، ولكن صاحبنا إثر تجاهل الأمر لكونه أيقن أن شقيقه الأكبر سيتصرف إزاء الموضوع من دون أدنى شك، لكن أخاه الكبير قرر ألا يفعل شيئاً حيال الأمر لاعتقاده بأن والدته ستتحرك وتضع حداً للمشكلة، لكن الأم لم تحرك ساكناً أملاً منها في رب الأسرة الذي بيده مقاليد الضبط والربط، وهذا بدوره لم يقم بشيء.

مرت الأيام متسارعة وتلتها أسابيع وشهور؛

والفيل ينمو ويكبر ويحتل مساحة أكبر في البيت، حتى أضحى فيلاً عملاقاً؛ وعندما وصل الحال لوضع لا يطاق كان إخراج الحيوان الضخم من الدار أمراً شبه مستحيل؛ حيث سيتطلب الأمر هدم الجدار ومما لا ريب فيه سينشأ عنه انهيار وشيك للمنزل بأسره.

لو تم التعامل بسرعة وحكمة مع الفيل الصغير بداية، لأمكن تجنب العديد من المتاعب والتقليل من المخاطر وتكاليف حل المعضلة.

تلك الأقصوصة التي ذكرتها يسميها الإنجليز بمقولتهم الشهيرة المتداولة:

Elephant in the room

فيل في الغرفة: كناية عن مشكلة صغيرة يتم تجاهلها، وعدم المحاولة لحلها حتى تتفاقم!

لدى إسقاط هذا المبدأ في عالم المؤسسات، قد يكون:

المدير مجحفاً

بيئة العمل فاسدة

أنظمة الترفيع عفا عليها الزمن

وجود أفراد معارضين للتطوير وخطط التحديث.

ومن أبرز الأسباب التي تقود لتفاقم المشكلة، هو السلبية حيالها وعدم الاعتراف بوجودها، وتهرب الجميع من تحمل مسؤوليتهم والاعتماد على الآخر أو الظن الواهم بأن المشكلة ستتلاشى من تلقاء نفسها من دون تدخل من أحد!

عموماً: عندما يكون لديك فيل صغير في مؤسستك، من الضرورة بمكان التأكد من أن المشكلة حقيقة، والتحرك لحلها بشكل فوري، قبل أن يتضخم الفيل وتتأزم الأمور، مع الحرص على عدم السماح بدخول فيلة (ولو صغيرة) في المستقبل.

بالختام: احسم المشكلات بسرعة وهي صغيرة، كي لا تضطر لاحقاً لقرارات صعبة حيال الكوارث الضخمة؛ ألم يقولوا «ومعظم النار من مستصغر الشرر»؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن