منتدى دافوس 2024 إخفاق بمواجهة التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية
| الدكتور قحطان السيوفي
منتدى دافوس 2024؛ جلسات حوارية تنظيرية سنوية يشارك فيها كبار السياسيين في العالم، وينعقد هذا العام تحت شعار «إعادة بناء الثقة».
يعد المنتدى منصة لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية العالمية في محاولة للحصول على رؤى إستراتيجية حول التوجهات المستقبلية للاقتصاد العالمي.
تم في 2015، الاعتراف بالمنتدى رسمياً كمنظمة دولية، وهذا العام، حضر المؤتمر أكثر من 60 رئيس دولة، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرجل الثاني في القيادة الصينية لي تشيانغ، وأرسلت الولايات المتحدة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، وتضمن جدول أعمال المنتدى أربعة محاور:
الأول: الحالة الجيوسياسية في العالم وتأثيرها في التجارة والنمو الاقتصادي.
الثاني: العلاقة والتجاذب بين الحالة المالية والاقتصادية.
الثالث: التوجس من العامل الإيكولوجي وعلاقته بالطاقة.
الرابع: الأخطار المتنوعة المترتبة على الحالة ممثلا في الذكاء الاصطناعي والنظام المالي والصراعات المختلفة.
هناك تعبير عن الحالة الجيوسياسية في الحروب، هي الحرب الأوكرانية وحرب إسرائيل العدوانية على غزة، وهناك توجس من حرب بين الصين وتايوان.
شهدت جلسات المنتدى هذا العام مناقشات بشأن الأخطار التي تواجه العالم سياسياً واقتصادياً، ونظراً للتأثير الكبير للحرب الأوكرانية، وخاصة في إمدادات الغذاء العالمية سعى المنتدى لأن يحقق تقدماً في السلام.
منتدى دافوس يجمع أصحاب المصالح من صناع السياسات في الحكومات وقادة الدول وقادة أكبر الشراكات وقادة المجتمع المدني، إضافة إلى قادة الرأي العالمي والأكاديميين، ويتسم المنتدى بقدرته على تصنيف المخاطر العالمية اقتصادياً والتحديات على أساس الجغرافيا الاقتصادية.
طغت الأزمات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط وأوروبا على أعمال المنتدى، وسعى المشاركون إلى بحث سبل الدفع بالنمو الاقتصادي، وشبح الركود يخيم على بعض كبرى الاقتصادات، كما هيمن النقاش حول تداعيات تهديد ممرات التجارة العالمية في البحر الأحمر، واستمرار تعثر سلاسل الإمداد العالمية.
أغلبية الاقتصادات ما زالت تعاني تداعيات جائحة «كوفيد – 19» وحرب أوكرانيا، إضافة إلى التحديات الجيوسياسية الجديدة المتمثلة وخاصة في العدوان الإسرائيلي على غزة، والتصعيد الذي رافقها في البحر الأحمر.
وسلّط رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورغه برنده، الضوء على هذه المخاوف في جلسات دافوس، وقال إن «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الصراعات العنيفة بلغت أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية».
عبرت المداخلات عن القلق بشأن المخاطر الجيوسياسية التي تلوح في أفق 2024 وتلقي بضبابية من عدم اليقين على صنع السياسات، فالحروب مستعرة في أوروبا والشرق الأوسط، حيث أدت إلى تحويل حركة الشحن على نطاق واسع حول جنوب إفريقيا، وفي الوقت نفسه، ستشهد ثماني دول الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، انتخابات هذا العام، ما ينذر بتقلبات سياسية حادة، والانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني هي الأكثر أهمية من بين هذه الأحداث.
رئيسة المفوضية الأوروبية، قالت: «إن العالم دخل عصر الصراع والمواجهة، والتشرذم والخوف»، كما ظلت الحرب في أوكرانيا تتصدر المناقشات مع احتمال توسع الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة.
حذر رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج مما وصفه «بعجز الثقة» بين الدول، مضيفاً «إذا تم وضع القواعد من بلد معين أو عدد قليل من البلدان، فعلينا أن نضع علامات الاقتباس على التعددية لأنها ستظل أحادية بطبيعتها».
خلال مؤتمر صحفي أوضح رئيس المنتدى أن «إحدى أولوياتنا الرئيسية هي كيفية تجنب المزيد من التصعيد، إننا بحاجة إلى حقنة من الأمل».
في كلمته الافتتاحية، أكد رئيس المنتدى على أهمية المنتدى هذه السنة، «لإعادة بناء الثقة فنحن أمام عالم منقسم، ما يعمّم اللايقين والتشاؤم».
في الواقع، الأزمات المتتالية تعصف بالعالم، بدءاً من الأزمة المالية والاقتصادية الآسيوية في 1997 – 1998، مروراً بحروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وبالأزمة المالية والاقتصادية عام 2008، وبتصاعد حدة «المنافسة الإستراتيجية» بين أميركا وروسيا والصين، وصولاً إلى الحرب الأوكرانية الغربية بالوكالة مع روسيا، وحرب الإبادة التي تُشن على الشعب الفلسطيني في غزة من الكيان الصهيوني، كانت بشراكة أميركية كاملة.
لم يخطئ المؤرّخ وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي، إيمانويل تود، عندما اختار لكتابه ما قبل الأخير، الصادر باليابانية في بداية العام المنصرم، عنوان «الحرب العالمية الثالثة قد بدأت»، فالعالم في حالة حرب، وليس «منقسماً» فقط، كما أشار منظّمو «دافوس».
المشكلة تكمن في أذهان النخب الحاكمة في واشنطن ودولتها العميقة، التي ترفض الإقرار بالتحوّلات الكبرى التي طرأت على موازين القوى الدولية لغير مصلحتها، السعي للحفاظ على الهيمنة الأحادية الأميركية، على الرغم من تآكل قدراتها ومواردها السياسية والاقتصادية والعسكرية، الذي كشفته الحرب الأوكرانية، في المقابلة التي أجراها وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، مع منظّر «العولمة السعيدة»، توماس فريدمان، خلال «قمة دافوس»، عرض بلينكن جهود الولايات المتحدة لتسريع عملية التطبيع بين دول عربية، وفي مقدّمها السعودية، والكيان الصهيوني، زاعما أن ذلك سيسمح بـ«عزل إيران وحلفائها»، وادعى بأننا اليوم أمام فرصة تاريخية سانحة لإنجاز مثل هذا الأمر، شريطة أن يقبل الإسرائيليون بإقامة دولة فلسطينية ما يتيح لإسرائيل ربح الوقت الكافي لابتلاع الأرض واستيطانها وتهجير الفلسطينيين أو ربما تطهيرهم عرقياً أو محاولة إبادتهم كما تفعل في غزة.
سياسة الحرب الأميركية تولد النزاعات وتعمّق انقسامات العالم، لكن «أهل دافوس» يتعامَون عن هذه الحقيقة الفاقعة.
منتدى دافوس، لم ينجح في إعادة الثقة لمستقبل العالم الاقتصادي بمواجهة الأزمات، ولم ينجح المنتدى في أن يقدم الأدوات لتطبيق المبادئ التي تقود الثقة وتعزّز الشفافية والمساءلة.
الأزمات التي شهدها العام 2023 من حروب واضطرابات جيوسياسية، لاتزال ماثلة أمام العالم، هذه الصراعات لا تزال على اشتعالها في العام 2024 ويصاحبها «اللا استقرار المالي» ما يشكل مصدر قلق في عالم متصدع على صعيد الأمن، والتضخم والعجز والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة.
الواقع أن هذا المنتدى لم ينجح في طرح حلول لقضايا جوهرية تشغل العالم وخاصة التوترات الجيوسياسية، وانعكست آثارها على الوضع الاقتصادي.
كانت الأجواء ساخنة مع نقاش الحالة الإنسانية في غزة، والصراع في الشرق الأوسط وتدهور مستويات الحرب في أوروبا، لكن السؤال المطروح والملح، هل حققت هذه النقاشات الساخنة هذه المرة حلولاً لهذه الصراعات الجيوسياسية العالمية العميقة والحادة وانعكس ظلالها وتأثيرها على الوضع الاقتصادي العالمي؟ الجواب كلا.
هذا المنتدى تنطلق فقاعاته في الهواء الطلق من دون تحقيق الفائدة المرجوة من انعقاده، ويبقى فقط صورا تذكارية وتصافحا بالأيادي ونقلاً إعلامياً مباشراً يرهق عيون المشاهدين، من دون طرح حلول ملموسة، في وقت يعج فيه العالم بالصراعات السياسية والاقتصادية.
وزير وسفير سوري سابق