لم تظهر منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي تحذيرات مسؤولة رسمية أوروبية عن احتمال وقوع حرب في أوروبا أو حرب عالمية إلا في هذه الأوقات، وعادة ما تتابع مراكز الأبحاث العبرية وبعض وسائل الإعلام الصادرة في الكيان الإسرائيلي كل ما يتعلق بموضوع الحرب في العالم خوفاً من نتائجها على مستقبل الكيان، ففي 25 كانون الثاني الجاري نشرت مجلة «غلوبس» الإسرائيلية الإلكترونية واسعة الانتشار تحليلاً بقلم، أساف أوني، المحلل الإسرائيلي للشؤون الأوروبية والمقيم في برلين بعنوان «أوروبا تطلب من المواطنين علنا الانخراط الإلزامي في الجيش لمواجهة حرب مقبلة على أوروبا»، جاء فيه أن «رئيس الأركان السويدي ميكال بودين حذر قبل أسبوعين علناً من إمكانية وقوع حرب تشارك فيها السويد بعد مئتي عام من سياستها الحيادية، ودعا إلى الانخراط في الجيش السويدي لأن الحرب الروسية الأوكرانية شكلت مرحلة ستتطور إلى ما هو أوسع من ذلك»، وأعلن وزير الدفاع المدني السويدي كارل أوسكار بولين قبل يوم من هذا التصريح أن «حرباً قد تقع وتنخرط فيها السويد»، ويوضح أوني أن «الجمهور السويدي تفاجأ من هذين التصريحين، ودفع البعض منهم إلى التفكير بتخزين ما يمكن أن يحتاجونه في الحالات الطارئة وبالدول البديلة التي قد يسافرون إليها، ورغم الانتقادات التي وجهها بعض السياسيين السويديين لهذين التصريحين ووصفهما بمحاولة تقديم نوع من الإنذار فقط، إلا أن الحكومة لم تتراجع عنهما».
يضيف أوني إن «وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس انضم في هذا الأسبوع إلى هذا التحذير، وقال في مقابلة مع صحيفة «دي فيلت» الألمانية إن النقص في عدد الجنود في الجيش الألماني حاد جداً وخطير إلى حد يجعله يدرس فكرة تجنيد من هم من غير الألمان في الجيش النظامي الألماني»، وكان بيستوريوس قد طالب بإعادة استئناف نظام التجنيد الإلزامي ولم يحظ بتأييد الأحزاب السياسية في ألمانيا لفكرته، ويشير أوني إلى أن رئيس الأركان البريطاني، السير باتريك ساندرس، حذر قبل أيام المواطنين البريطانيين من خطر قلة عدد الجنود في الجيش البريطاني وقال إن بريطانيا قد تطلب من الجمهور الانخراط الطوعي بالجيش إذا استدعت الحاجة إلى اشتراكها بحرب مقبلة، وتكشف التحليلات الأوروبية أن الدول الأوروبية توقفت عن الاهتمام المطلوب تجاه عدد جيوش كل دولة وعن الاهتمام بإيجاد ما يكفي من المعدات والأسلحة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة النظام العالمي الغربي الأميركي الأحادي على معظم أرجاء الكرة الأرضية، إلى أن حملت التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في العقدين الماضيين عودة توسع نفوذ ودور روسيا والصين في السياسة الدولية وتحالفهما مع أطراف محور المقاومة في الشرق الأوسط والدور الإقليمي المتصاعد لقوة إيران فيه، وعلى جبهة الغرب تبين أن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، منيا بهزيمة في أفغانستان وفنزويلا وأمام محور المقاومة في الشرق الأوسط، وبالمقابل لم تتمكن الحرب الأميركية – الأوروبية التي شنت على روسيا بوساطة أوكرانيا عام 2022 من إيقاف الدور الروسي في الساحة الدولية وتوسيع إطار دول البريكس الذي تقوده هي والصين رغم كل ما حشده الغرب من قوة عسكرية وأشكال حصار وحروب تحريضية غير مسبوقة ضد روسيا والدول الصديقة لها، ويكشف أوني أن عدد أفراد الجيوش النظامية لأهم الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا قليل جداً، فالجيش البريطاني لا يزيد عدده على 180 ألفاً بشكل دائم من دون الاحتياط، والألماني لا يزيد على 180 ألفاً، والفرنسي 118 ألفاً، والسويد التي ستنضم لحلف الأطلسي 24 ألفاً، وكان استطلاع رأي أجراه معهد «غالوب» العالمي حول استعداد الأوروبيين بالانخراط في الجيوش في أوروبا قد تبين منه أن 25 بالمئة فقط على استعداد للقبول بذلك، والمعهد نفسه أجرى في بداية هذا العام استطلاعاً حول هذا الانخراط في عدد من جيوش الدول الأوروبية تبين منه أن 62 بالمئة من الأوكرانيين فقط يقبلون بالانضمام إلى جيش أوكرانيا، وأن 59 بالمئة من الروس على استعداد للانخراط في جيش بلادهم، وأن 27 بالمئة من البريطانيين يقبلون بالانخراط بجيش بلادهم، وأن 18 بالمئة من الألمان فقط يقبلون بالانضمام للجيش، و15 بالمئة من الهولنديين، و21 بالمئة من الإسبان فقط، و55 بالمئة من السويديين، على حين هناك 66 بالمئة من الإسرائيليين يقبلون بالانخراط بالجيش.
لا شك أن هذه الأرقام تؤدي دوراً سلبياً عند معظم الدول الأوروبية في أي حرب مقبلة، ولذلك فالعالم سيشهد قريباً توازناً جديداً في نظامه الدولي لن يخدم المصالح الغربية الأميركية التي فرضتها دول أوروبا والولايات المتحدة على العالم طوال قرن من الزمن، ومن هنا جاء التحذير الأوروبي باحتمال وقوع حرب عالمية.