منذ عام 1948 دأب الكيان الإسرائيلي على محاولة فرض مواقفه وآرائه السياسية على الحكومات في العالم لكي تمنع أي تنديد علني أو انتقاد يوجهه الرأي العام والشخصيات المؤثرة من سياسيين ومفكرين وفنانين من دولها ضد سياساتها العنصرية والإجرامية للحيلولة دون أن يتمتع الشعب الفلسطيني بأي تأييد أو دعم سياسي لحقوقه الوطنية المشروعة، وتمكن الكيان عن طريق الدول الاستعمارية التاريخية الثلاث بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، من إجبار هذه الدول على سن القوانين وتبني السياسات التي تحقق أهداف إسرائيل، ولهذه الغاية جندت الحركة الصهيونية وكيانها السياسي الإسرائيلي مئات وآلاف الجمعيات ذات الاختصاصات المختلفة لمقاطعة كل من لم تستطع حكومات الغرب منعه عن التنديد بإسرائيل علناً من أساتذة الجامعات والفنانين والمفكرين، وكانت نسبة منهم من ذوي الأصل اليهودي في أميركا وأوروبا بشكل خاص، وتمكنت من السيطرة على عاصمة السينما الأميركية هوليوود وهددت أي ممثل من المشاهير فيها يجرؤ على الإعلان عن التنديد بها أو انتقاد سياساتها ومذابحها الأخيرة في قطاع غزة، ورغم تواطؤ دول الغرب مع إسرائيل إلا أن عدداً كبيراً من المفكرين ومن بينهم نوعام تشومسكي ونورمان فينكلشتاين وآلان بابيه، وهم من أصل يهودي لم يخضعوا للتهديد وأدانوا جرائم الكيان الإسرائيلي وفرضوا هذا الرأي في الساحة الأكاديمية والثقافية والفكرية.
في 28 كانون الثاني الماضي تحدى الفنان الممثل الشهير في عالم السينما وهوليوود، جون كوزاك، وهو من أصل يهودي، سياسة الابتزاز الغربية المتواطئة مع مذابح الكيان وعلى صفحته في «إكس» كتب: «اللعنة على إسرائيل و(رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو وحش صهيوني»، ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ما كتبه بالعبرية، وذكرت أن «كوزاك تعود على مهاجمة إسرائيل وعدم الاهتمام باتهامه بمعاداة السامية على الرغم من أنه يهودي، وكان قد قال في آخر تغريداته إن إسرائيل دولة إبادة شعب وهو يعلم أن صفحته يتابعها الملايين من المعجبين به»، ونشرت الصحيفة ما ذكره في 24 كانون الثاني الماضي في صفحته بالانكليزية: «الصهيونية ليست اليهودية ومنذ عشرات السنين هناك يهود يعدونها شراً وخطراً كبيراً ولا يعد كل من يعارض نتنياهو والصهيونيين من أصدقائه معادياً للسامية فأنا يهودي ولا أكره اليهود لكنني أكره النازيين لأنهم إرهابيون متعطشون للدماء وأكره الصهيونيين».
ويعلق كوزاك على الفنانة اليهودية الأميركية، ديبره ميسنغ، التي قالت في صفحتها إنها «تعتز بأنها يهودية بالذات في هذه الأوقات»، وقال: «هي بذلك تعتز بما تقوم به إسرائيل بإبادة شعب في قطاع غزة»، وانتقدها لأنها لم تذكر ما تفعله إسرائيل للشعب الفلسطيني قائلاً: «ألا ترين أن شعب فلسطين تجري إبادته بوساطة القتل الجماعي»؟
كوزاك كان في طليعة الفنانين الذين دعموا علناً منظمة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم «بي- دي- إس» منذ عام 2018، وهي المنظمة التي فرضت إسرائيل على أوروبا وصفها بالإرهاب ومعاداة السامية ومنع نشاطاتها فيها، وبمجرد إعلانه عن هذا الموقف المندد بما تفعله إسرائيل في قطاع غزة وبالحرب الشعواء على منظمة «أونروا» بدأت المنظمات الصهيونية الأميركية بإعلان حرب إعلامية عليه، لكنه لم يتوقف بل إنه طالب الجمهور بأن يقاطع أحد الفنانين الذين دافعوا عما تقوم به إسرائيل، وذكرت المنظمات الصهيونية الأميركية أن الفنانة، سوزان سيريندون، فرضت إسرائيل فصلها من عضويتها في إحدى الجمعيات برغم أنها لم تقل إلا القليل مما قاله كوزاك عن إسرائيل والصهيونية في أثناء مشاركتها في مسيرة أميركية لدعم الشعب الفلسطيني تحت شعار «من النهر إلى البحر»، وكذلك لأنها وقفت إلى جانب المغني الشهير، روجرز ووترز، الذي منعت أوروبا حفلاته فيها لأنه غنى لفلسطين وصمود الشعب الفلسطيني وندد بمذابح إسرائيل.
إذا كان الكيان الإسرائيلي والحركة الصهيونية سيطالبان حكومات العالم الغربي بمقاطعة هذه الشخصيات المناهضة للعنصرية والصهيونية فإن هذا يفرض على كل من يدعم قضية الشعب الفلسطيني ويندد بما يرتكب من مذابح في القطاع أن يعلن دعمه لهذه الشخصيات بكل الوسائل الممكنة لكيلا تشعر بأنها وحدها في ساحة التنديد بعنصرية الكيان ومذابحه، ولمنع استفراد المؤسسات الصهيونية بها، ولا شك أن الوقوف إلى جانب هذه الشخصيات المؤثرة يعد شكلاً من مقاومة الاحتلال ومذابحه، واصطفافاً إلى جانب أعدل قضية في التاريخ.