أؤمن عميقاً في قلبي أن قضية فلسطين هي أعدل قضية في تاريخ البشرية المعاصر، وهي واحدة من أعدل القضايا في التاريخ البشري، لكننا، مع الأسف لم نحسن الدفاع عن حقنا، ما سهل على أعدائنا شيطنتنا وتسويق باطلهم كما لو أنه حق ثابت لا شك فيه.
من المعروف أن الصهاينة والمتصهينين يملكون أبرز الصحف ومحطات التلفزيون والراديو حول العالم، لكنهم رغم هذا ينفقون أموالاً هائلة لتكريس صورتهم كضحايا للمحرقة وتبرير جرائمهم ضد شعبنا في فلسطين، وقد سبق لي أن كتبت في هذا الركن بالذات عن «الوحدة 8200»، التابعة لهيئة الاستخبارات (الإسرائيلية)، التي يغطي نشاطها مختلف أنحاء العالم؛ وعملها لا يقتصر على توفير المعلومات لمؤسسات الكيان السرطان عن طريق عمليات اختراق المواقع والصفحات والتجسس على كل شاردة وواردة في الفضاء السيبراني، بل هي تملك جيشاً من المبرمجين المحترفين البارعين في معالجة البيانات والقادرين على اتخاذ القرارات بسرعة، ومعظم المتخصصين في منطقتنا من هؤلاء لا يتقنون لغتنا العربية الفصحى وحسب بل يتقنون اللهجات المختلفة، وهم يخترقون الهواتف والحواسب، ويتسللون إلى الصفحات والمواقع والمنصات بغية إثارة النعرات وإضرام الحرائق المذهبية والطائفية والعرقية. فهم يتنكرون بأسماء من هذا الطرف كي يهينوا الرموز التاريخية للطرف الآخر، ثم يقوم أحدهم متنكراً باسم من الطرف الآخر بالرد على شتائم زميله وهكذا يتم استدراج الناس العاديين من الطرفين كي يكونوا حطباً لتلك الحرائق الإلكترونية المشبوهة.
وقد سلطت الأضواء مؤخراً على موقع إلكتروني ضخم في أميركا يدعى كاناري ميشن «Canary Mission «أنشئ في عام 2014 ومهمته هي جمع المعلومات الشخصية عن الأساتذة والطلاب الذين ينشطون في الدفاع عن القضية الفلسطينية أو يشاركون في فعاليات معادية لـ (إسرائيل) ونشرها كملفات تعريفية يطلقون عليها اسم (القائمة السوداء)، على نهج القائمة السوداء التي وضعها عضو مجلس الشيوخ الأميركي، سيئ الذكر، جوزيف مكارثي في خمسينيات القرن الماضي والتي طالت خيرة مبدعي ومثقفي أميركا وأدت لحبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفييتي.
يقوم موقع (كناري مشن) بمهمة لا تقل قذارة عن المهمة التي قام بها الفاشي مكارثي، فالعاملون يجمعون ملفات تفصيلية عن أنصار القضية الفلسطينية وينشرونها متهمين أصحابها بأنهم «ينشرون الكراهية ومعاداة السامية». وغالباً ما تتسبب هذه الملفات القذرة بحرمان الشخص من العثور على فرصة عمل بعد التخرج إن كان طالباً، كما تؤثر على فرصة ترفيعه أن كان أستاذاً أو موظفاً، وأعضاء هذه الجماعة لا يخفون أنفسهم، فعندما ينشرون ملف أي شخص على موقعهم، يتصلون به هاتفياً ويبلغونه أن اسمه قد أدرج في القائمة السوداء لكناري مشن، وهم لا يكتفون بذلك بل يرسلون أسماء الطلاب المدرجين في قوائمهم إلى أرباب العمل المحتملين كي لا يوظفوهم!
وقد كشفت عدة صحف مؤخراً أن هذا الموقع له علاقات وثيقة بوزارة الشؤون الإستراتيجية (الإسرائيلية) وجهاز استخبارات الشاباك وهو يتلقى تمويلاً ضخماً من اللوبي اليهودي في أميركا.
في الختام اعلم أيها القارئ العزيز أن جل من يثيرون النعرات المذهبية والطائفية والعرقية هم من العاملين في الوحدة 8200 التابعة لهيئة الاستخبارات (الإسرائيلية)، أما السذّج الذين يلقون بأنفسهم في هذه الحرائق الإلكترونية فهم يخدمون سياسة العدو الصهيوني مجاناً.