إذا كان الكيان الإسرائيلي يجد نفسه أمام مواجهة على عدة جبهات ميدانية عسكرية تتصدى لمذابحه وتقاوم احتلاله في فلسطين ومن جوارها، فإن الشعب الفلسطيني ومقاومته يواجهان أكبر وأشرس جبهات حرب إعلامية عليهما من عدد كبير من الوسائل الإعلامية الغربية التي وظفت نفسها للدفاع عن خطاب تبرير مذابح يرتكبها هذا الكيان في وسائل إعلامها على مساحة العالم الرسمي كله وبمعظم لغاته.
يكشف تحليل استقصائي دقيق قام به البروفيسور في الإعلام والاتصالات في جامعة غولدسميث في لندن، ديس فريدمان، ونشره في مجلة «ديكلاسيفايد يوكي» البريطانية الإلكترونية في 30 من شهر كانون الثاني الماضي أن كل وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة تتعمد عدم استخدام عبارة «إبادة شعب» حين تتطرق لما يجري في قطاع غزة رغم أن وسائل الإعلام الخاصة بالأمم المتحدة ومنظماتها الإقليمية تصف ما يقوم به جيش الاحتلال في القطاع بإبادة الفلسطينيين التي طالبت محكمة الجنايات الدولية أيضاً بإيقافها. ويؤكد فريدمان أن وسائل الإعلام البريطانية تمنع استخدام عبارة «إبادة» للفلسطينيين حين تنقل أخبار القطاع، ويقارن فريدمان بين طريقة التعامل الإعلامي الغربي تجاه الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف الجنود والمستوطنين وخاصة في الأسابيع الأولى لعملية السابع من تشرين أول وكيف وصفتها هذه الوسائل بـ«مذبحة نفذها الفلسطينيون بالإسرائيليين»، واستخدمت كل ما ذكرته حملة التحريض الإعلامي الإسرائيلية من مفردات لا أساس لها مثل «قطع رؤوس أطفال المستوطنين» لتعميمها على كل وسائل الإعلام الغربية وبمختلف لغات العالم لمنع دول العالم من نشر حقيقة المذابح اليومية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني بعشرات الآلاف من الشهداء الأطفال والنساء والجرحى، ويبين فريدمان بموجب استقصائه أنه حين قتل 24 جندياً إسرائيلياً أثناء محاولتهم تدمير عدد من المنازل الفلسطينية في 22 كانون الثاني الماضي تعاطفت كل وسائل الإعلام الغربية مع مقتل الجنود ووصفت بمفردة مشتركة عنوان هذا النبأ «باليوم الأكثر نزفا لدماء الإسرائيليين منذ ما بعد السابع من تشرين»، وتحت هذه العبارة أبدت التعاطف مع عائلات هؤلاء الجنود، وقام فريدمان بعرض أسماء جميع الصحف التي نشرت أخبار ذلك اليوم بهذه المفردات، وأضاف: «علماً أنه في ذلك اليوم لقي أكثر من 200 من الفلسطينيين المدنيين حتفهم على يد الجيش الإسرائيلي ومعظمهم من الأطفال والنساء من «دون أن تشير كل تلك الوسائل لهذه المذبحة ومن دون أن تعبر بمفرداتها عن أدنى نوع من التعاطف مع مقتل هذا العدد من المدنيين، ويشير فريدمان إلى أن «كل الناطقين العسكريين الإسرائيليين وكذلك رئيس الأركان ووسائل الإعلام الإسرائيلية لم يستخدموا عبارة «اليوم الأكثر دموية على الإسرائيليين»، بل أطلقوا على ذلك اليوم عبارة «اليوم الصعب» و«الصباح المؤلم» في حين كان الإعلام الغربي يعبر عن مقتل الجنود بأوضح عبارات التعاطف مع هذه الخسارة بين صفوف الجنود، أما مقتل المئات من الأطفال الفلسطينيين فكأن دماءهم يجب أن تهرق في كل ساعة، وبالمقابل اعتادت وسائل الإعلام الغربية على تسمية المقاومين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بـ«المجرمين» بكل لغاتها حين يجري الحديث عن مفاوضات لتبادل الأسرى، وتطلق على الأسرى الذين وقعوا بأسر المقاومة بـ«المختطفين» أو «الرهائن» ومنهم الكثير من الجنود والضباط من قادة جيش الاحتلال، وبهذه الطريقة يصف الغرب كل من يعتقله جيش الاحتلال من الأطفال والنساء والشبان الصغار بـ«المجرم» وكل من تأسره المقاومة بـ«المختطف» أو «الرهينة» وتطالب بالإفراج عنه من دون قيد أو شرط، ويذكر فريدمان أن وكالة أنباء «أوكسفام» كشفت في تقاريرها أن نسبة من يجري قتلهم من الفلسطينيين بيد الجيش الإسرائيلي في كل يوم يبلغ 250 فرداً، وهو سجل غير مسبوق في أي حرب جرت في المنطقة في السنوات الماضية ومع ذلك لا يهتم الإعلام الغربي إلا بالتعاطف مع الإسرائيليين ويقدم برامج يستضيف فيها بعض أفراد عائلات الأسرى لكي يبكوا لأنهم لم يروا خلال أربعة أشهر أبناءهم الأسرى، في حين تعرف وسائل الإعلام هذه أن أكثر من 4500 من الأسرى الفلسطينيين قضى عدد منهم عشرين وثلاثين وأربعين عاماً في سجون الاحتلال ونسبة منهم لم تر أمهاتهم أو أبناءهم لسنوات كثيرة، ولا يجد الشعب الفلسطيني في مقاومته الإعلامية على جبهات الغرب الإعلامية سوى دعم وسائل الإعلام العربية له وهي محدودة العدد ومعظمها بلغة عربية أو لغات محلية في المنطقة، في حين يسيطر خطاب إسرائيل الإعلامي على اللغات الأخرى لحجب الحقيقة.