الكاتب «ممدوح حمادة» وتعميق الوعي الثقافي والاجتماعي … العمل على دمج الصورة البصرية مع صورة الشخصيات
| مايا حمادة
عمل الكاتب «ممدوح حمادة» على دراسة الشخصية الواقعية المكتوبة ثم حولها لتصور بشكل متكامل وواضح عبر العمل الدرامي من خلال إيجاد روابط بين الشخصية الدرامية والصورة المتخيلة أو الحقيقية في فكر الكاتب لإيصال رسالة لا تصف فقط الواقع للناس بل تبدع في وصفه واستيعابه ورؤيته من وجهات نظر مختلفة، ولتفتح آفاقاً جديدة للتأمل، وخلق الكاتب وعياً متجدداً حول نتاجاته الثقافية، وركز على انخراط الشخصيات الدرامية في إشكالياتها وهمومها لتحمل مواصفات لا تملكها شخصيات أخرى شكلاً ومضموناً، وتجلت في عدة أعمال منها «قانون ولكن» وعمل على خلق حوار وتفاعل آني بين المتلقي والشخصية، واهتم أيضاً في خلق أثر واضح لها في نهاية القصة أو العمل المرئي.
إدراك تركيبة الشخصية
يسعى الكاتب «ممدوح حمادة» لطرح الأعمال الدرامية القريبة لعقول المشاهدين بذات دلالات بسيطة خارجة عن حدود الزمان والمكان، لكنها تحمل دلالات ذات قيمة عالية لكونه صاحب خبرة ثقافية وعملية وأكاديمية في صناعة السيناريو والإخراج السينمائي، وبالطبع يقدم الكاتب ممدوح منتجاً ثقافياً غير تقليدي لا يعتمد كثيراً على التخيل بقدر اعتماده على تكريس الصورة الروائية الدرامية بحد ذاتها من خلال إيجاد مفهوم العرض والقص وإدراج لقطات ذات مواقف وقيم وأفكار تجسد العمل المكتوب من خلال اليوميات المرئية والمتجددة التي تحاكي السيناريو مع التركيز على الصور الدرامية المعالجة بأدق تفاصيلها، وهو من الكتاب الذين أدركوا أهمية اختيار الفنانين بدقة متناهية معتمداً الخبرة في الطرح والأداء، وعن قيمة ما قدمه الكاتب والظروف العديدة التي ساعدت على إنتاج كتبه القصصية يستدعي دائماً الوقوف عند خصوصية العمل المحلي وبتقنية الكتابة التي تعد جوهر أي عمل درامي ناجح يقنع الناس ويلامس أحاسيسها ما جعلهم بالفعل يشعرون بالرضى عند متابعة هذه الأعمال المؤثرة التي تمثل واقعهم عن سابق تحليل ورصد.
رسائل الكاتب والدفاتر الهادفة
يعمد الكاتب «ممدوح حمادة» لتوثيق الشخصيات مجدداً على شاشة التلفزيون وإبراز أداء كل شخصية على حدة من خلال عدة أعمال «دفتر القرية» أنموذجاً، حيث كانت تجارب استثنائية وطريفة مهدت الطريق لانتشار رسالة الكاتب بشكل أسرع للناس ولتكون أعمالاً شديدة التميز والروعة مازالت تعطي بعداً وجدانياً إضافياً وصورة درامية مشبعة لا تتسم بالسطحية، وقد يدل ذلك على زيادة الإقبال على قراءة القصص التي قدمها الكاتب، وذلك بعد عرضها على الشاشة وهو أمر طبيعي جداً، ربما لوجود فئة من المهتمين تعتبر القصة لها جاذبيتها وجودتها الخاصة أكثر من الدراما، وباعتبار الكاتب درس الإخراج السينمائي فلا بد أن يكون له رؤية تدعم العمل المرئي مستخدماً تيار الوعي وتفاعل الشخصيات مع الأحداث أو الصراعات المتواصلة، فأغلب الشخصيات هي من الواقع، أضفى عليها الكاتب طابع البساطة في الأسرة كالدار والقرية، وذلك ضمن أكثر من عمل، وبالتالي نشأ مخزون نفسي ودوافع كثيرة لكتابة هذه الأعمال أو الدفاتر منها «دفتر الغربة، القرية والحرب وغيرها»، وتعد هذه المؤلفات أعمالاً لها استراتيجية بعيدة وخلاقة ذات التقاء فكري وجمالي وإنساني، بحيث يدمج الكاتب العمل المكتوب وطريقة عرضه بحس مبدع تتخلله الكوميديا الممزوجة بالحزن.
ويقول المؤلف في هذا الصدد: يتأثر القارئ عموماً بما يقرأ، لكن هو ليس لديه كاتب معين يحتذي به، إنما كل كاتب يترك بالنفس أثراً ما.
عالم جديد في لغة الحوار
مجمل إنتاجات «ممدوح حمادة» أضفت روح الغرابة والفضول بنفس القارئ أو المتلقي لمعرفة المزيد عما سيجري لاحقاً من أحداث، أما عن كشف عوالم الشخصيات فجرى غالباً من خلال تصرفات وعلاقات هذه الشخصيات ببعضها بعضاً، تدور أعمال الكاتب في فلك واقع الإنسان والمجتمع على الصعد كافة بأسلوب ناقد وساخر من جهة ومعالجتها أيضاً من خلال التثقيف الممزوج بالحس الفكاهي من جهة ثانية، وذلك حين قدم برنامج مدينة المعلومات الموجهة للعائلة وللأطفال لرفع مستوى الثقافة وزيادة محتوى معلوماتهم عن أكثر من موضوع بهدف خلق مساحة للمناقشة والإبداع وتصوير المعلومة على شكل حكاية كرتونية، وكل حلقة أيضاً تحكي قصة وتفندها بأسلوب شيق تتخلله أناشيد وأغانٍ مرتبطة بالموضوع أو الحدث، في حين تكمن المأساة واضحة في نهاية مسلسل «ضيعة ضايعة» إذ تأثر بها كثيرون محلياً وعربياً ربما لارتباط الفرد فطرياً بالحياة الريفية البسيطة، ونجد إمكانية طرح «لكنة» محلية وترجمة بعض الكلمات في أثناء عرض حلقات العمل له بالفعل وقع خاص وجماهيري غير مسبوق، فتعددت نغماتها على آذان المشاهد كالنغمة الغاضبة والرومانسية والهجائية المرتبطة بموضوعات العمل يتم ترديدها بين الناس حتى اليوم، ما يدل التميز بتصوير المؤلف المتسع للواقع المعيش وعكس العالم الداخلي للأبطال ولنمط تفكيرهم ومشاكلهم النفسية المرتبطة بالبيئة المعيشية، وهذا ما نجده أيضاً في أعمال «عيلة سبع نجوم» وبعض أجزاء «بقعة ضوء»، وتحتل مناظر وصف الطبيعة كالجبل والبحر بالصورة التي مازالت ماثلة بالذاكرة مكانة بارزة في قصة «أم الطنافس»، والمضافة للأسلوب الشيق والحبكة الأدبية الفنية الرائعة التي تشير إلى مشاكل طبقة الناس البسيطة، وهي لم تكن مجرد مصادفة، وإنما تقديم لتفاصيل يومية لمسوها بكل مضامينها المتنوعة وطرح حلول للتخلص من ويلات الفقر وتحسين الأحوال باستعمال لغة سهلة وعفوية قريبة من الناس متناسبة مع أمزجتهم وأعرافهم الاجتماعية وتقاليدهم، ويتوازى ذلك بزيارة مركزة للمناطق الريفية من كثب لوصف طريقة العيش وملاحظتها ثم ترجمتها عبر مظاهر نشاطهم اليومي وفهم التركيبة الاجتماعية والنفسية وما يحيط بهذه المنطقة وتحليلها في الفصول المختلفة على مدار العام، ولا يمكن معرفة عادات وتقاليد هذه المنطقة وهويتها ما لم نتعرف على لغتها بعناصرها وبنيتها الكلية والجزئية.