في يوم مضى اخترت عنوان زاوية اليوم لتكون عنواناً لزاوية ثابتة في إحدى الصحف العربية، لكن مدير مكتب دمشق لتلك الصحيفة الخليجية تمنى علي أن أسمح له باستخدام هذا العنوان ليكون عنواناً لزاويته في تلك الصحيفة. ولأن مدير المكتب صديقي سمحت له بذلك عن طيب خاطر.
تذكرت هذا الأمر الذي مضى عليه سنوات طويلة وأنا أشهد على أرض الواقع أن كل الكلام الذي نكتبه هو كلام في الهواء، أو في الهوا حسب اللفظ باللهجة العامية الجميلة.
لماذا أكتب أنا وغيري إذا كانت كلماتنا تذهب أدراج الرياح؟
ما الفائدة من آلاف المقالات والتقارير الصحفية والتحقيقات إذا كانت في مكان ما والقرارات والسياسات في مكان آخر تماماً؟
في مسرحية «الشخص» أو «بياعة البندورة» تختتم فيروز هذا العمل المسرحي البديع بأغنية تقول فيها:
«طلع المنادي ينادي مافيهاش إفـادة
الرعيان بــوادي والقـطـعان بوادي»
كلام سليم، فالصحفيون مع جماهير المواطنين في واد، والحكومة وقراراتها في واد آخر وكأنهما خطان متوازيان يستحيل أن يتلاقيا!.
عندما يكون سعر الجمل بيضة، ولا يملك هذا المواطن بيضة، فما فائدة توافر عشرات الجمال والإبل والخراف والبقر والجواميس في السوق؟
أعترف أن كل شيء متوافر بكثرة في الأسواق، حتى لبن وحليب العصافير والكافيار وسمك السلمون وفاكهة خط الاستواء اللذيذة، لكن المواطن يقف في الطابور ليحصل على ربطة خبز أو ربطتين، ويعيش طوال فصل الشتاء على خمسين لتر مازوت للتدفئة تكفيه نحو أسبوع لا غير.
كل شيء متوافر فعلاً والأهم أن الفنادق والمطاعم من «الخمس والسبع نجوم» مكتظة بروادها من الطبقة المخملية، أما طبقة أكياس الخيش والجنفيص التي تحولها الأمهات إلى ملابس لأسرتها لتستر فقرهم وعورتهم، فهي طبقة لم تعد قادرة على شراء الفلافل والفول والحمص بعد أن دخلت هذه المواد الغذائية في قائمة الرفاهية، ولا أدري ماذا سيأكل الفقير؟
قلت منذ فترة: إن الحكومة ترفع الأسعار استناداً إلى إحصاء عدد رواد المطاعم والفنادق والملاهي، وعدد المصطافين في الداخل والخارج، وعلى ذلك فمن المؤكد أن تكون كل قرارات الحكومة من رفع سعر ربطة الخبز ولتر المازوت والبنزين والخضار والفاكهة منطقياً، لكن: ألم تسأل الحكومة نفسها عن بقية أفراد الشعب؟
والحكومة تعرف أن هذه البقية تشكل أكثر من تسعين بالمئة من تعداد الشعب، فهل نتخذ القرارات ونرسم السياسات فقط من أجل الأقلية على حساب الأكثرية الساحقة؟
ما ذكرته مجرد أمثلة أما على أرض الواقع فهناك كلام آخر لا أريد الخوض فيه، لأن الحكومة تعرف كل شيء أكثر مني بالطبع، لكنها لا تلتفت لكلامي وكلام الشارع السوري من أقصاه إلى أدناه.
باختصار أعلم أن كل ما كتبته على مدى أعوام، وما قلته في هذه الزاوية بشكل خاص مجرد كلام لا طائل منه، ألم أقل في البداية إن عنوان زاويتي هو «كلام في الهوا»؟.