بدأ الكيان الإسرائيلي والحركة الصهيونية العالمية بتعميم توجيه الاتهام بما يسمى «معاداة السامية» أي معاداة اليهود ضد كل من ينضم في أي مكان في العالم إلى مسيرات التنديد بمذابح جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة وإبداء التعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته، فقد كشفت وسائل إعلام صهيونية عن «تزايد مشاعر ومواقف كراهية اليهود في العالم بشكل غير مسبوق منذ عام 1930» بسبب الحرب في قطاع غزة، وفي تحليل أعده الصحفي الإسرائيلي، ايتامار أيخنير، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 26 كانون الثاني الماضي تحت عنوان: «ازدياد حاد بنسبة 235 بالمئة في كراهية اليهود بسبب الحرب في غزة» جاء فيه أن «تقريراً أعده المركز الصهيوني لرصد مظاهر كراهية اليهود كشف عن هذه النسبة التي تعاظمت حدتها في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى».
ولا شك أن سبب زيادة حدتها في الولايات المتحدة لا يعود فقط لوجود أكبر الجاليات اليهودية فيها بل بسبب الدعم الأميركي المتعاظم لآلة الحرب الإسرائيلية التي تشارك في هذه الحرب الإسرائيلية. ولذلك أشار التقرير إلى أن 46 بالمئة من هذه النسبة الكبيرة لمظاهر كراهية اليهود ظهرت في الولايات المتحدة و35 بالمئة في أوروبا التي تدعم الدول الكبرى فيها آلة الحرب ضد الفلسطينيين.
تعكس هذه الصورة بالمقابل، حقيقة أن أغلبية الرأي العام في كل شعوب العالم ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي– الصهيوني تعبر عن تنديدها بالمشروع الاستيطاني في فلسطين ورغماً عن حكام هذه الدول التي صنعت هذا الكيان ومذابحه طوال قرن من الزمان على حساب شعب فلسطين.
في هذه الأوقات بدأ العمل لتكثيف التحرك والنشاط الإعلامي للمحافظة على ما حققه الرأي العالم العالمي من نتائج باهرة في الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية، والانتقال إلى مواضيع تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وتحقيق أهدافه، وعلى الجهة الأخرى من جبهات الحرب ضد الفلسطينيين بدأ الكيان الإسرائيلي يشحذ أسلحته الإعلامية والتحريضية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته بهدف طمس الحقائق وابتزاز الحكومات لمنع استمرار التنديد بمذابحه، وما أفظع الوسائل التي يستخدمها لتحقيق هذه الغاية، بل ما أكثر الحكام الذين يمكنه الاستعانة بهم وبإمكانات دولهم لتوظيفها لمصلحته على الساحة العالمية الإعلامية. وقد أعدت تل أبيب وقيادة الحركة الصهيونية ومنظمة المؤتمر اليهودي العالمي منظماتها وابتكرت جمعيات ومجموعات جديدة تتولى تنفيذ خططها وتوزيع شعاراتها لتزييف الحقائق. فبعد نجاح الكيان الإسرائيلي على سبيل المثال في إقناع أكثر من عشر دول غربية بالامتناع عن تقديم المساعدات المالية لمنظمة «وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا» بهدف قطع خدماتها لسبعة ملايين لاجئ فلسطيني منذ عام 1948 بدأت وسائل الإعلام الصهيونية – الأميركية تنشر شعار «ادفع لكي تذبح – Pay to Slay» لوصف دور وكالة «أونروا» وتعميم هذا الشعار على العالم، كما طلبت من المنظمات الصهيونية في الجامعات برصد وملاحقة كل طالب يعلن عن دعمه للشعب الفلسطيني ويستخدم سردياته عن النكبة وعن المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية. وبوساطة هذه المنظمات «تريد إسرائيل تأسيس قوة ردع تمنع أي طالب جامعي عن اتهام إسرائيل والتنديد بها». وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الوزير الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، المختص بما يسمى «شؤون يهود العالم والحرب على معاداة السامية» اعترف بأن الحرب الكبرى التي تواجهها إسرائيل الآن هي الحرب الإعلامية التي تشن عليها لتعميم السرديات الفلسطينية العربية على شعوب العالم «بهدف نزع الشرعية عن إسرائيل». وإضافة إلى ذلك استنفرت دائرة البيت الأبيض لمحاربة «معاداة السامية» في العالم كل الموظفين التابعين لها في دول كثيرة ولا يقل عددهم عن 1000 من رؤساء مكاتب محاربة «معاداة السامية» لكي يبدؤوا بتنفيذ خططهم على مستوى الساحة العالمية لمنع السماح بالإعلان عن المسيرات والتظاهرات التي تندد بإسرائيل وتستنكر مذابحها في قطاع غزة وبمنع أي مناهج تعليمية تشير إلى هذه المذابح منذ عام 1948 والتهديد بفرض العقوبات على الدول التي لا تخضع لهذه السياسة الأميركية – الإسرائيلية، والسؤال الذي يتعين استنباطه من هذه الخطط المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الإنسان هو: ألا يتعين على العالم العربي والإسلامي إعداد خطة مضادة لهذه المخططات الإسرائيلية التي تريد من الفلسطينيين أن ينسوا ما فعلته إسرائيل بهم ويمتنعوا عن عرض الحقائق على العالم؟