في 2 شباط الجاري، شن الجيش الأميركي هجمات على أكثر من 85 هدفاً في سورية والعراق رداً على الهجوم على قاعدة أميركية في شمال شرق الأردن، وقالت وزارة الخارجية السورية إن الضربات الأميركية على أراضيها تؤجج الصراع في المنطقة على نحو خطر، في حين ذكرت لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية في بيان أن مثل هذه الاعتداءات هي خرق للسيادة العراقية، وأن تكرار مثل هذه الاعتداءات يضعف من التعامل الأمني بين العراق والولايات المتحدة.
إن الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة على أهداف في سورية والعراق هي انتهاكات صارخة للسيادة الوطنية للبلدين والقانون الدولي، وقد دفعت الصراع في الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة خطرة.
يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ردع إيران من دون الدخول في حرب معها، ولكن الضربات الجوية الأميركية في سورية والعراق تمثل بلا شك بداية جولة جديدة من العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، التي قد تكون لها عواقب بعيدة المدى وغير متوقعة.
في ظل الوضع في الشرق الأوسط، أصبحت الولايات المتحدة، التي لا تلتزم بتخفيف الصراعات، بل تعمل على تصعيدها، غير شعبية على نحو متزايد، وإن الوجود العسكري الأميركي الطويل الأمد في المنطقة هو برميل بارود، فلقد مرّ أكثر من 12 عاماً منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار 2011، وخلال هذه الفترة، شنت الولايات المتحدة حرباً بالوكالة، ما تسبب بكوارث في غاية الخطورة للشعب السوري، وحتى الآن، لا يزال لدى الولايات المتحدة نحو 900 جندي متمركزين في سورية باسم «مكافحة الإرهاب»، لكن الشعب السوري لا يصدق الخطاب الأميركي، إذ ما زال الجيش الأميركي يحتل مناطق إنتاج الحبوب والنفط الرئيسة في سورية، وينهب ويسلب الموارد الوطنية السورية.
لقد تسببت الهيمنة العسكرية الأميركية بكوارث لا نهاية لها، وفي الواقع، على مدى تاريخ الولايات المتحدة الممتد لأكثر من 240 عاماً، لم تكن البلاد في حالة عدم انخراط في حرب سوى لأقل من 20 عاماً، ووفقاً للبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، فقد تسبب التدخل العسكري الأميركي بمقتل ما لا يقل عن 350 ألف شخص في سورية، وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، وأصبح 14 مليون مواطن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وتظهر البيانات الرسمية الصادرة عن سورية أنه خلال السنوات الـ12 الماضية، تسبب نهب الولايات المتحدة لموارد سورية بخسائر اقتصادية مقدارها 115.2 مليار دولار أميركي.
وبالنظر إلى الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الأزمات والصراعات الإقليمية في الماضي والحاضر، ستجد أن الولايات المتحدة دولة تؤمن بالقوة، فتطلق آلاف القنابل في أفغانستان والعراق وسورية واليمن وغيرها من البلدان.
لماذا يتعرض الجيش الأميركي إلى هجمات متكررة في الشرق الأوسط؟ إن الدافع المباشر وراء ذلك هو انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل، وعملياتها العسكرية الواسعة النطاق لمصلحة إسرائيل في الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
ولماذا لا تريد الولايات المتحدة القيام بوقف الصراع في غزة ولا تسعى إلى تحقيق سلام عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ لأن الأزمات والحروب في العالم هي ضمان لبقاء شركات الأسلحة الأميركية والسياسيين الأميركيين الذين يقفون خلفها، إذ إنها لا تهتم بالسكان المحليين وإعادة الإعمار، وهي تريد فقط نهب الثروات.
لقد استمرت الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ما يقرب من أربعة أشهر، وقد وصل عدد الضحايا بين سكان غزة إلى نحو 100 ألف ما بين قتيل وجريح، وهو في تزايد مستمر، وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل، ما أدى إلى ارتفاع أداء كبار تجار الأسلحة الأميركيين، مع وصول الطلبيات إلى مستويات عالية جديدة. ووفقاً لبيانات وزارة الخارجية الأميركية، زادت كمية المعدات العسكرية الأميركية المبيعة في الخارج بنسبة 16 بالمئة في السنة المالية 2023، لتصل إلى مستوى قياسي بمبلغ 238 مليار دولار.
ما الذي تحتاجه دول الشرق الأوسط مثل سورية والعراق وفلسطين واليمن أكثر من غيرها الآن؟ الجواب الذي تقدمه شعوب المنطقة هو دعم التمويل والمؤسسات العامة التي تضمن الأمن والعدالة الاجتماعية، في حين تمثل الولايات المتحدة بوضوح الاتجاه الآخر، وهو الاحتلال والهيمنة والسرقة.
مقال في مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية يشير إلى أن الوجود العسكري الأميركي في العراق وسورية يمثل الأثر الأخير للمغامرة الأميركية الفوضوية والمدمرة التي استمرت 20 عاماً في الشرق الأوسط، وأنه ينبغي لهذه المغامرات أن تنتهي منذ فترة طويلة وحان الوقت لكي يفي الرئيس الأميركي جو بايدن بوعده خلال حملته الانتخابية بإنهاء «الحروب الأبدية وإعادة الرجال والنساء إلى الوطن».
إعلامية صينية