قضايا وآراء

العلاقات الأوروبية ــ الأميركية في الميزان

| رزوق الغاوي

في خطاب له في مدينة فولتون الأميركية مطلع عام 1946، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وصف رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل العلاقات البريطانية- الأميركية آنذاك والتي تعود إلى ما قبل إعلان استقلال الولايات الأميركية عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1776، بأنها علاقة متينة وخاصة، وانسحبت تالياً على العلاقات الأميركية- الأوروبية، غير أن هذه العلاقات شابتها «هنَّاةٌ وخلافات» حول مسائل دولية معقدة منها العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر، والتدخل أطلسياً في إقليم كوسوفو بعملية جوية كبرى، واحتلال أفغانستان وبعدها العراق ودعم الحركات الموالية لها في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان، ومواصلة دعم تايوان وهونغ كونغ ضد الصين، وخلال مرحلة وجود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض الأميركي، وإجراءات وممارساتُ أُخرى راهنة أبرزها إصرار واشنطن على مواصلة دعم أوكرانيا متجاهلة التململ الأوروبي من هذا الدعم.

تَمثل تفاقم التململ الأوروبي بتحرك الطبقات الشعبية الأوروبية والمزارعين خاصة في كل من ألمانيا وفرنسا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وبلجيكا مع احتمال توسع هذا التحرك ليشمل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال احتجاجاً على سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والعسكرية وخاصة ضد الاتفاقات المبرمة مع أوكرانيا التي فرضتها المفوضية الأوروبية على حكومات الاتحاد الأوروبي وما أنتجته تلك الاتفاقات من إجراءات قاسية لايزال المواطن الأوروبي يدفع ثمنها لدعم المجهود الحربي الغربي لأوكرانيا ضد روسيا، ورصد المليارات لمصلحة نظام كييف النازي على حساب الميزانيات العامّة للبلدان الأوروبية.

فضلاً عن ذلك، ما لبثت العقوبات التجارية والمالية التي فرضها الغرب على روسيا أن ارتدّت على الأوروبيين الذين عانوا من تضخّمٍ غير مسبوق في تكاليف قطاعي الطاقة والكيماويات ومتفرعاتهما بشكلٍ خاص، مع تراجع النمو وازدياد وتائر الكساد، ما حدا بالأوروبيين للاقتناع بأن حكوماتهم ليست سوى ألعوبة بيديِّ سيدها الأميركي، وأن خصمهم الحقيقي هو رئاسة الاتحاد الأوروبي التي أجهزت على السيادة الوطنية لبلدانهم جراء استسلامها لإملاءات الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إنشاء الاتحاد الأوروبي حتى الآن.

في ضوء ما تقدم يمكن القول: إن «الخصوصية» التي وصَّف بها تشرشل العلاقات الأوروبية- الأميركية باتت غير مقبولة من قِبَلِ الشعوب الأوروبية، لافتقادها النديَّة وتوازن القوى بين شريكين هما الطرف الأميركي المتغطرس الذي يفرض إرادته على حليفه الخاضع في معظم الحالات للإرادة الأميركية، ما يعني أن القارة الأوروبية التي طالما تغنت بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، باتت تنبت فيها بوادر التمرد الشعبي ورفض الاستمرار في هضم ما تتعرض له من الفوقية والابتزاز من قبل حليفها الأميركي، واستيائهم من إصرار واشنطن على معاملة الشعوب والحكومات الأوروبية على أنها ليست الشريك الحليف بل التابع الموظف الممول لتنفيذ أجنداتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وأهدافها الإمبريالية الصريحة، على حساب المصالح الأساسية الاقتصادية والسيادة الغذائية والدفاعية للشعوب الأوروبية.

إن المتابع لواقع العلاقات الأوروبية الأميركية ومستجداتها، يرى أن أي خلاف بينيٍّ يتصل بطبيعة تلك العلاقات قد يعود لطبيعة النهج الأميركي وتأثيره السلبي عليها من جهة، أو يعود لرغبة الأوروبيين بتحقيق ما يمكن من الاستقلالية الاستراتيجية في اتخاذ القرار وممارسته حيال المستجدات الدولية وتطوراتها من جهة ثانية، أو تجاه أي مصالح تستدعي تبنِّي سياسات مناهضة ولو شكليّاً للتوجُّهات الأميركية وخاصة تجاه الأزمة الأوكرانية من جهة ثالثة، والأكثر احتمالاً للعلاقات الأوروبية-الأميركية المستقبلية هو المحافظة على الستاتيكو الراهن الخاص بتلك العلاقات والعمل على الحيلولة من دون الانزلاق نحو أي نزاع بينهما يدفع ثمنه الاثنان معاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن