قضايا وآراء

بلينكن.. عين على إسرائيل

| منذر عيد

من الرياض بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جولة خامسة في المنطقة لبحث التهدئة الإقليمية والقضايا الإنسانية في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع إعلان الأطراف المعنية، أميركا ومصر وقطر وفرنسا وبحضور إسرائيلي، عن مسودة مقترحة «اتفاق باريس» لوقف العدوان الصهيوني على القطاع، وهذا لا يخلو من مساعي الإدارة الأميركية لبلورة اتفاق إقليمي ينطلق من غزة، يجنب الكيان هزيمة صريحة في حربه مع المقاومة الفلسطينية، ويجعل القوات الأميركية المحتلة في العراق وسورية خارج دائرة نار المقاومة، وصولاً إلى منح الرئيس جو بايدن ورقة أفضلية في مواجهة منافسه في الانتخابات الرئاسية.

الذهاب إلى وقف إطلاق نار وتبادل للأسرى لدى كل من المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، على مراحل، وعبر مدد زمنية طويلة، الهدف منه إحراق ورقة النصر الكبير الذي أنجزته وتنجزه المقاومة في ميادين غزة، ومحاولة للتخفيف والتغطية على خسارة قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن فشلت في القضاء على قيادات المقاومة وبالتحديد قيادات حركة حماس، وتدمير بنيتها التحتية، وتحرير الأسرى الصهاينة من قبضة المقاومة.

حجم الهزيمة التي تعصف بجميع أركان ومستويات الكيان العسكرية والسياسية والاقتصادية، والتي عمقتها احتمالية تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، تتبدى بشكل صريح من خلال الصراعات داخل أعضاء حكومة الحرب، وما ينشر عن الكم الهائل من «الخطط والمؤامرات» التي يحوكها كل طرف وتحالف ضد خصومه، حيث يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مواقف صعبة وحرجة، سواء من اليمين المتطرف، عبر معارضة رئيس تحالف «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش صفقة التبادل المحتملة، ورئيس حزب «العظمة اليهودية» إيتمار بن غفير، أم لجهة الحديث عن محاولة زعيم حزب «الوحدة الوطنية» عضو «مجلس الحرب الإسرائيلي» بيني غانتس تجنيد وزراء وأعضاء في «الكنيست» من حزب «الليكود» لإسقاط نتنياهو وتغيير تركيبة حكومته، خلال دورة «الكنيست» الحالية، إضافة إلى ضغوط الداخل الصهيوني التي تحاصر حكومة نتنياهو، حيث قال النائب السابق لقائد منطقة الشمال أيال رؤوفين: «لا مفر أمامنا إلا بدفع ثمن باهظ جداً حتى يعود المخطوفون، صحيح أن وقف الحرب أمر صعب للغاية، ولكن عندما يكون لدينا إخفاق خطر جداً وقع في السابع من تشرين الأول الماضي وفقدنا خلاله كثيرين، وبينهم المخطوفون علينا التنازل عن كل شيء لإعادتهم».

في ظل الصورة المأساوية للوضع الداخلي في الكيان الصهيوني، تشكل زيارة بلينكن وما يحمله من أفكار وربما ضغوط للقبول بمسودة «باريس»، قارب نجاة لقادة الكيان وبالتحديد نتنياهو، الأمر الذي كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بقولها إن بلينكن يحمل في جعبته مشروعاً أميركياً يعمل على تسويقه بهدف إنقاذ إسرائيل من ورطتها في غزة بعدما هزم جيشها وأصبح أمام حقيقة مفادها أن لا طريق للانتصار عسكرياً في هذه الحرب، ويمنح نتنياهو مكسباً سياسياً يحميه بعد انتهاء العدوان من السقوط السياسي، والمحاسبة الجنائية.

رغم ارتداء بلينكن ثوب «الإنسانية» قبيل جولته في المنطقة من خلال تشديده ضرورة «الاستجابة بشكل عاجل إلى الاحتياجات الإنسانية في غزة»، إلا أن جميع التقارير الإعلامية والتحليلات تؤكد أن مروحة الزيارة أبعد من غزة، خاصة بعد استقبال بايدن ثلاثة توابيت لجنوده القتلى بفعل تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، وعليه فإن بلينكن يعمل على تحويل «الاتفاق» إلى فكرة سياسية أشمل بهدف الوصول إلى كبح جماح جميع الجبهات المشتعلة ضد القوات الأميركية، وبلورة وضع جديد يخرج عن سياق الصورة التي تشكلت عقب 7 تشرين الأول الماضي وبدء عملية «طوفان الأقصى»، وفي هذا السياق تقول صحيفة «الإندبندنت عربية»: «يأمل العاملون على هذه الأفكار (أطراف مباحثات باريس) بالانتقال إلى المرحلة الثالثة أو السياق الثالث (من اتفاق التهدئة)، الذي يشمل بحث ترتيبات أمنية وهيكلية إقليمية تغير الأولويات في المنطقة، وتعيدها إلى مرحلة ما قبل هجوم السابع من تشرين الأول 2023، خصوصاً بعد اتخاذ خطوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويشمل ذلك مفاوضات أميركية – سعودية لتوقيع اتفاقات دفاعية إستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن