عام على الكارثة، ومن المفارقات التي عشتها خلال هذا الأسبوع معرفتي بأننا وصلنا إلى الذكرى السنوية الأولى لحدوث كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق عدة من سورية وأدى إلى ما أدى إليه من ضحايا ودمارٍ وخراب، بل دعوني أعترف بأن الفضل في ذلك يعود إلى قيام الكثير من الأصدقاء باستعادة ذكرياتهم المؤلمة عن الكارثة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي جعلني أستذكر الحدث بتفاصيله المؤلمة لدرجةِ أنه كان تماماً خارج سياق المدى المجدي لذاكرتي، هذه الحالة جعلتني فعلياً أنتقد نفسي بقسوة، ألهذا الحد وصلت بنا اللامبالاة لننسى حدثاً أو كارثة بهذا الحجم؟
بالتأكيد لستُ شخصاً غير مبالٍ بهمومِ الآخرين أو أوجاعهم وأنا من يعتبر نفسه من الذين نذروا أفكارهم للدفاعِ عن كل من لديهِ وجع، فكيف عندما تكون تلك الأوجاع مرتبطة بأقارب أو أصدقاء وحتى جيران العمر من الذين طالتهم الكارثة تحديداً في حلب واللاذقية، بالسياق ذاته لستُ شخصاً منفصلاً عن همومِ بلده، تلكَ الهموم التي أتعاطى مع أدقّ تفاصيلها السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية لأكتب عنها، إذاً أين تكمن المشكلة حتى يتحول حدث بتلكَ الذكرى المؤلمة إلى مجردِ تفصيلٍ صغير نمر عليه مرور الكرام؟
منذ بداية الحرب على سورية كنا نسمع عبارة «العنف يجر العنف والدم يجر الدم»، فقد يستشهد البعض بهذه العبارة بصورة معاكسة لمنطق الدولة التي تحارب الإرهاب أو في سياق مجابهة العنف والقتل والدمار الذي خلفته التنظيمات المتأسلمة وهي تسعى إلى حرية الشعب السوري، لكن ما هو أسوأ أن تتحول هذه العبارة إلى فكرة «كلام حق يُراد بهِ باطل» عندما يختصر البعض كل هذهِ الأحداث بوجود طرفين اختارا العنف لمجردِ رفض كل منهما للآخر، هنا علينا القول «الكذب يجر الكذب».
لكن بمعزلٍ عن الطريقة التي يتم فيها التعاطي مع هذهِ العبارة لابد من الإشارة إلى منطقيتها في سياق تتابع الأحداث، بل إن ما هو أسوأ أن هذه العبارة تبدو قابلة للتطبيق في الكثير من مناحي الحياة، الحزن يجر الحزن والكارثة تجر الكوارث والزلزال يجر الزلازل، هذا معناه يا للأسف أن ما عشناه ونعيشه من كوارث لم يمتلك القوة ليجعلنا ننساه، لكننا ببساطة امتلكنا القوة حتى بتنا متعايشين مع أي طارئ بصورة تبدو شبه اعتيادية.
في الخلاصة: الزلزال ربما لم يكن إلا كارثة من سلسلة كوارث التي ميزها أنها جاءت بصوتٍ مرتفع، أما باقي الزلازل فلا يزال صوتها منخفضاً إلى درجة «الوشوشة» تحديداً عندما تكون بصيغة سؤال: هل سنتمكن يوماً من تعويض كل المتضررين؟