بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 شهدت الكرة الأرضية بداية أكبر وأسرع توسع في التاريخ للقوة الامبريالية الأميركية في جميع القارات، فخلال عشر سنوات امتد فيها الاحتلال والنفوذ الأميركي إلى قارة أوروبا بعد احتلال ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبية في تلك الحرب، وإلى آسيا بعد هزيمة اليابان وضربها بقنبلتين نوويتين في نهاية الحرب، وكذلك إفريقيا.
ومنذ بداية الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي والدول المتحالفة معه في الخمسينيات، وانقسام العالم إلى كتلتين متناقضتين، كانت السياسة الأميركية المتبعة مع حلفائها في أوروبا الغربية وحلف الأطلسي، تقوم على مبدأ أن تقوم واشنطن بنفسها بتحديد حصص بريطانيا وفرنسا الحليفين الرئيسين لها في الحرب ضد ألمانيا، من بقايا المستعمرات، ودون أن تسمح لأي دولة منهما بالاستئثار وحدها بمستعمراتها بعد انتهاء الحرب، وهذا ما جعل النفوذ الأميركي يحل على سبيل المثال في السعودية محل البريطاني منذ عام 1945، وكذلك محل مناطق نفوذ فرنسية أيضاً، وبهذا الشكل تحولت الولايات المتحدة إلى موزع رئيس للحصص الاستعمارية والنفوذ لهاتين الدولتين مقابل تحالفهما معها في مواجهة الاتحاد السوفييتي إلى أن انتهى عهد الحرب الباردة عام 1991 وأصبح النظام الأميركي العالمي يفرض قواعد أحادية في تقاسم النفوذ والهيمنة لمصلحة الولايات المتحدة وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح عدد الجنود الأميركيين الدائمين فيه يزيد على 40 ألفاً ينتشرون في 14 دولة بموجب أرقام الموقع الإلكتروني الأميركي «آكسيوس» في تشرين الأول الماضي، بما في ذلك العراق وسورية، بحجة محاربة مجموعات داعش الإرهابية، لكن استخدام الاحتلال الأميركي لهذه الحجة في منطقتين في العراق وسورية وعند الحدود الشمالية لسورية، ترافق مع تدخل عسكري واحتلال تركي لمناطق في أراضي سورية والعراق وظهرت فيه خطة للتوسع الإقليمي التركي بحجج واهية وكأن هذه الدولة الحليفة للولايات المتحدة والعضو في الحلف الأطلسي تريد الحصول على حصة توسعية إقليمية لها من حساب قوى التحالف الفرنسية والبريطانية التي انتشرت بعض وحداتها إلى جانب القوات الأميركية باسم محاربة داعش الإرهابية وبموافقة واشنطن.
على الساحة الدولية لا شك في أن طبيعة العلاقات الثنائية بين سورية والعراق وإيران والمقاومة في فلسطين ولبنان وصولاً إلى اليمن وكذلك العلاقات المتينة لهذه الأطراف كقوة إقليمية مع روسيا والصين وحلفائهما، سيعيد العالم إلى الانقسام بين قوى غربية استعمارية تريد استمرار هيمنتها على النظام العالمي وبين قوى تتطلع إلى تغيير هذا النظام الاستعماري وبقاياه واستبداله بنظام عالمي جديد يقوم على قواعد عدالة متوازنة ويحرر الشعوب من الهيمنة الأميركية، وهذا ما جعل المعارك الإقليمية الجارية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ومنذ الحروب الوحشية التي شنها الكيان الإسرائيلي في المنطقة على لبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1982، تستمر حتى الآن وبأشكال بلغت مستوى إبادة شعب فلسطين والتنكر لكل حقوقه من القوى الغربية كافة التي دعمت أبشع حروب الإبادة على قطاع غزة.
في ظل هذا الانقسام العالمي، من الطبيعي أن تصبح مواجهة أطراف محور المقاومة لهذا المخطط جزءاً مركزياً من مواجهة روسيا والصين للنظام العالمي الغربي-الأميركي الذي هيمن على العالم طوال قرن من الزمان، فعودة الوضع العالمي إلى الانقسام أصبح واضحاً بين قوتين متناقضتين إحداهما تتمسك بالمحافظة على هيمنتها واستعمارها على حساب الشعوب، والأخرى تناضل من أجل إيجاد نظام عالمي جديد تتوازن فيه مصالح كل الشعوب دون احتلال وهيمنة تقوض استقرار البشرية ومستقبل وجودها، ولا أحد يشك في أن هذا التناقض بين هاتين القوتين سيعكس نفسه على كل أشكال العلاقات بين الدول الإقليمية والعالمية ويفرض جداول عمله خلال سنوات كثيرة ولا يمكن استبعاد استمرار الحروب بين أطرافه في مختلف مراحل تطور هذه التناقضات التي أفرزتها نتائج الحربين العالميتين وما تبعها من الحرب الباردة طوال هذه العقود الطويلة.