قصص من أول إياب الدوري الممتاز … استقالات المدربين حالة فوضوية تدمّر الأندية … غياب منظومة العمل الفني تضعف الدوري الكروي
| ناصر النجار
ما زلنا نتحدث عن الثقافة الكروية الهشة التي تحملها أنديتنا في تفاصيل عملها والتي تؤدي بالمحصلة العامة إلى مزيد من التدهور والتراجع في بناء الكرة على صعيد الأندية، والحدث الأهم الذي يضعف كرتنا هو سوء الاختيار سواء للمدربين واللاعبين، وإذا تحدثنا قليلاً عن اللاعبين لوجدنا أن تعاقدات الأندية معهم لم تكن كلها في المكان الصحيح، لذلك رأينا الوهن بادياً في بعض الأندية رغم أنها امتلكت (نظرياً) أفضل اللاعبين، ولما أرادت تقوية صفوفها بمحترفين أجانب كان الاختيار أسوأ، ولم نجد كوكبة المحترفين قد أجادوا أو أفادوا، وإذا نظرنا إلى حصيلة أهداف المرحلة الأولى من إياب الدوري لوجدنا الحصيلة ضعيفة جداً وهي امتداد لضعف عام في التسجيل يقودنا إلى أسئلة مهمة عن أسباب العقم الهجومي؟ فهل اختيار الأندية للاعبين لم يكن في محله، أم إن أسلوب المدربين عقيم على مستوى الخطط الهجومية؟
ونلاحظ أن كبار هدافي الموسم الماضي صائمون عن التسجيل، وأن من يتصدر قائمة الهدافين لم يتجاوز الأهداف الستة في اثنتي عشرة مباراة، أي إن أفضل الهدافين سجل نصف هدف في المباراة وهذا أمر يدعو إلى القلق لمستقبل الهجوم الكروي، والحقيقة الأخرى أن هذا العقم الهجومي ليس مرده قوة الخطط الدفاعية، لذلك نقول: إن العمل الكروي في أنديتنا لا يحالفه النجاح لعدة أسباب من المفترض أن تتم دراستها بشكل واقعي وعلمي، فالطريق الذي تسلكه أنديتنا خاطئ بامتياز ونحن نحتاج إلى فكر ثقافي محترف يقود أنديتنا إلى تطويرها وبنائها وفق الأصول المتعارف عليها في عالم كرة القدم.
أول عامل سلبي في أنديتنا الاضطراب الإداري والفني، فعدم استقرار الأندية يؤدي إلى سلوكها خطاً متعرجاً في كرة القدم، وحتى الآن لم نجد نادياً واحداً يبني فريقه بشكل متتابع ومستمر، فكل إدارة جديدة تبطل عمل من سبقها وتبدأ من الصفر، لذلك نجد أن أنديتنا تحوم حول هذا الصفر الرقمي من دون أن تتقدم خطوة واحدة نحو الأمام، ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أن كل إدارة لها إيجابيات وسلبيات، ولو أن الإدارات الجديدة عملت على تطوير الإيجابيات ومعالجة السلبيات لحصلنا على التطوير والازدهار، وكما نلاحظ أن أكثر ما يشغل أنديتنا هو المال، لذلك فإن فكر الأندية منصب على كيفية الحصول على المال، لعدم وجود موارد ثابتة كافية، ولأنها لا تملك الميزان المالي الذي يؤمن بمسلمات معروفة وهي أن يكون الإنفاق على حجم الكتلة المالية الموجودة، لكن الواقع الذي تعتمد عليه أنديتنا يسير على مبدأ (أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب) وهنا نلاحظ أن الأندية تبرم عقوداً يفوق قدرتها المالية على مبدأ تقسيط عمليات الدفع، ونجدها بعد حين تتورط وتصبح مديونة وهذه الديون تتفاقم موسماً بعد آخر! وهذا على الصعيد المالي، وهو أساس نجاح أو فشل العمل الإداري، لذلك نقول إن إدارات الأندية غارقة بسوء عملها، فالفشل المالي يجر وراءه فشلاً كبيراً على كل الصعد.
على الصعيد الفني لا توجد منظومة عمل واضحة، فدائماً التغيير مستمر، والمشكلة أن التغيير القائم ليس بداعي المصلحة ولا يتم وفق حاجة الفريق وهذا الكلام سواء على صعيد المدربين أم اللاعبين على حد سواء، والأكثر من ذلك أن التغيير يضر بالأندية واللاعبين، وهذا مرده إلى غياب الاستقرار الفني، وعلى سبيل المثال وجدنا محمود البحر هدافاً في جبلة وصائماً في الفتوة، ومثله العديد من اللاعبين الذين تألقوا مع أنديتهم، وعندما انتقلوا إلى أندية أخرى غاب ذكرهم.
وقد يكون السبب بتغيير مركز اللاعبين أو أسلوب اللعب، فكلنا يعرف أن البحر هداف، لذلك من الخطأ أن نغير مهامه لأنه سيفقد فاعليته، ومثله مثل العديد من اللاعبين الذين انطفأ بريقهم هذا الموسم.
بنظرة عامة نلاحظ أن أقل فريق في الدوري تعاقد مع عشرة لاعبين جدد وصرف مثلهم أو أكثر منهم، وهذا بعرف كرة القدم تشكيل لفريق جديد، وهذا التشكيل حتى يدخل في الانسجام والتناغم يحتاج إلى سنة إن لم يكن أكثر، والخطأ الأكبر أننا نقوم بتبديل المدربين بشكل سريع، من المستحيل أن يعطيك أي تشكيل جديد بطولة للدوري إلا إذا كانت بقية الفرق ضعيفة ودون المستوى، لذلك فإن الحصاد الصحيح لا يأتي بموسم واحد، والإدارات لا تصبر على فريقها، وبعضها للأسف يستجيب لصيحات الجمهور ومواقع التواصل الاجتماعي فتقوم بتغيير المدرب وتزيد الطين بلة.
ولنا في هذا العمل غير المسؤول أمثلة: نادي الكرامة ضرب مثالاً في الحالة الإيجابية، فإدارة النادي أعلنت عن مشروعها الكروي واقتنعت بالمدرب طارق الجبان الذي تولى الشؤون الفنية في النادي، من الطبيعي أن تكون نتائج الفريق متفاوتة، لكن خطوات العمل تسير بشكل صحيح، الإدارة دافعت عن مدربها أمام كل تشويش وأمام كل مطالبة بإقالته، وهذا هو التصرف الإيجابي، لأن البناء يحتاج لأكثر من موسم ليعلو، والفريق في هذا الموسم ليس مطلوباً منه المنافسة، المطلوب هو الوصول إلى الاستقرار أولاً وتكوين فريق جيد فيه من الشباب والمواهب من أبناء النادي أكثر من المخضرمين والوافدين، حتى محترفو النادي الأجانب كانوا من صغار السن، الجبان يشرف أيضاً على فريقي الأولمبي والشباب، هذا المشروع إن سار كما خُطط له وإن استمر الدعم له بالوتيرة نفسها فسيعود الكرامة كما كان فارس الدوري.
والمثال الثاني من نادي أهلي حلب وقد أعاد الأمور إلى نصابها مهتماً بأبناء النادي، فلم يتعاقد مع أي لاعب من خارج النادي واعتمد على مواهبه الشابة، وقد استفاد من عنايته السابقة بفرق القاعدة وقد سيطر فريق الشباب على بطولة الدوري في المواسم الماضية.
الطريق الذي يسلكه النادي صحيح وهو خطوة أولى في عالم النجاح والتفوق يلزمها خطوات أخرى على سبيل العمل الفني والدعم اللوجستي.
هذان المثالان يجب أن يلقيا الدعم الكامل من جمهور الفريقين من خلال التشجيع والمؤازرة والصبر على النتائج لأن الخير قادم لا محالة.
المثال السلبي نجده في نادي الفتوة، النادي حاز بطولة الدوري بمجموعة من اللاعبين مع المدرب عمار الشمالي الذي استلم المهمة عوضاً عن ضرار رداوي المستقيل وكلاهما له فضل في هذه البطولة واللقب، لكن الغريب أن إدارة النادي أطاحت بالمدرب وأتت بمدرب جديد صرف عدداً مهماً من اللاعبين واستقدم آخرين، فبدل أن يتابع الفريق سيرته التي بدأها بنجاح عاد إلى نقطة الصفر، وربما كانت غاية النادي أن يجمع نجوم الدوري في فريق واحد، لكن أغلب هؤلاء النجوم انطفأ بريقهم في الفريق للفوضى الإدارية والفنية بالفريق، ثم جاءت خطوة أخرى بتغيير المدرب للمرة الثانية قبل انطلاق الدوري، ثم المدرب الثالث جاء بعد استقالة مدرب الذهاب للخسارة أمام الكرامة، وفي الأرقام نجد أنه خلال عام ورد على الفريق خمسة مدربين هم: ضرار رداوي وعمار الشمالي ومحمد عقيل وأيمن الحكيم وأخيراً وليس آخراً المدرب الجديد القادم.
والفوضى الفنية هذه عاشها فريق الوحدة من تغيير مدربين بكثرة إلى تغيير لاعبين، ولكنه بعكس فريق الفتوة لم يستفد من كل التغييرات لأن عمليات الانتقاء لم تكن صحيحة سواء على مستوى المدربين أم اللاعبين فضلاً عن التخبط الإداري الذي أورث النادي أزمات عديدة قد لا تنتهي بسنوات.
الغاية من هذين المثالين أن عدم استقرار الأندية فنياً لا يحقق المطلوب، قد ينجح الفريق مرة لكنه لن يستمر بالنجاح، وقد ينال الفريق بطولة مسبقة الصنع لكنه لا يبني فريقاً يحلق لسنوات.
مسؤولية الأندية بالدرجة الأولى هي بناء كرة القدم بشكل صحيح لرفد المنتخبات الوطنية باللاعبين المهرة الجيدين، وكما نلاحظ فإن كوبر بات يستبعد لاعبينا المحليين لاعباً بعد آخر لسبب بسيط وهو أنهم غير مؤسسين بشكل صحيح وهذا تتحمله أنديتنا، لذلك لابد من تغيير سياسة العمل الرياضي في الأندية.
وهذا الكلام لا يخص كرة القدم وحدها بل كل الألعاب، فمسؤولية تطوير كرة القدم هي مسؤولية جماعية لكن أساس العمل فيها داخل الأندية.
تغييرات واسعة
على صعيد المدربين تسعة أندية غيرت مدربيها أكثر من مرة على الشكل الآتي:
بطل الدوري الفتوة بدأ مرحلة الاستعداد بمحمد عقيل ثم أيمن الحكيم والمدرب الثالث لم تعيينه بعد.
حطين الوصيف بدأ بأنس مخلوف ثم عمار ياسين.
جبلة الثالث تعاقد مع عمار الشمالي واستقال أول الإياب.
تشرين والجيش وحدهما محافظان حتى الآن على ماهر بحري وحسين عفش.
الطليعة بدأ بفراس قاشوش ثم علي بركات وعاد بعدها إلى فراس قاشوش.
الوثبة بدأ بمصعب محمد ثم ماهر دالاتي.
أهلي حلب: بدأ بمعن الراشد ثم أحمد هواش، والهواش كان مديراً للفريق لذلك فتأثير التغيير بسيط.
الكرامة ما زال محافظاً على مدربه طارق الجبان من إياب الموسم الماضي.
الوحدة: استعد مع أحمد عزام وبدأ الدوري مع حسام السيد ثم محمد إسطنبلي.
الساحل بدأ الدوري مع عساف خليفة ثم محمد شديد وخلفه علي بركات.
الحرية: بدأ مع مقوم عباس ثم المدرب المصري أحمد حافظ وخلفه محمد نصر الله.
فهل ما يحدث من تدوير المدربين بين الأندية يخدم كرتنا؟ وهل تغيير المدرب بعد عدد قليل من المباريات حالة صحية؟.