معرض سورية الدولي للكاريكاتور يحتفي بالفنان الشهيد ناجي العلي … وزيرة الثقافة: ما يحدث في غزة من جرائم منكرة ومستهجنة لم تشهد الإنسانية مثيلاً لها ببشاعتها وهمجيتها
| مايا سلامي - تصوير: طارق السعدوني
افتتحت وزارة الثقافة مساء أمس معرض سورية الدولي للكاريكاتور بدورته العشرين التي حملت تحية لروح فنان فلسطين وشهيدها ناجي العلي الذي دفع حياته ثمناً للقضية، فصورها في رسوماته واخترع لها شخصيات خلّدت اسمه وما زالت حاضرة في ذاكرة كل عربي.
وشمل حفل الافتتاح الذي أقيم في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق معرضاً فنياً لمئة عمل كاريكاتوري تنافس فيها فنانون من روسيا وإيران ورومانيا والبرتغال والبيرو والعراق والصين وأوكرانيا وصربيا وكوبا وإسبانيا وأذربيجان والجبل الأسود وأوزبكستان والبرازيل وتركيا وبلغاريا والهند ومصر إلى جانب سورية، إضافة إلى أمسية موسيقية أحيتها الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله.
كما تم خلال الحفل تكريم أعضاء لجنة التحكيم والفائزين الثلاثة وهم إسماعيل بابائي من إيران وخافيير كوبيرو توريس من كوبا وأناتولي رادين من روسيا.
رمز الإنسان المقاوم
وفي تصريح لوسائل الإعلام، قالت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح: إن ناجي العلي فنان كاريكاتور فلسطيني عالمي ابتكر شخصية ما زالت عالقة في أذهان الجميع، وهي رمز الإنسان المقاوم الذي يبدو أنه منكسر لكنه يقاوم بصمت وبثبات، هذا هو حالنا جميعاً في سورية بعد سنوات الحرب والحصار الذي مازال جاثماً على حياتنا، والتهديد «الإسرائيلي» والاحتلال لبعض أجزاء وطننا.
وأضافت: ناجي العلي شخصية رمزية وعنونة هذا المهرجان العالمي للكاريكاتور باسمه أيضاً لها أبعادها، والأهم من العنوان هو محتوى المهرجان وعدد المشاركين الذي يربو عن مئة مشارك والأعمال المتنوعة بمقارباتها وموضوعاتها فمنها المضحك ومنها المبكي، وهذا هو جوهر العمل الكاريكاتوري الساخر، لكنها السخرية المرّة أحياناً كالسخرية من الأقدار، ومن الألم والديمقراطية الكاذبة والشعارات الرنانة التي لا تستند إلى أي حقيقة، ومن الإعلام الذي تحول إلى سلاح قاتل أحياناً يدمر صاحبه أو الآخرين، ومن الفقر المدقع الذي يتحول إلى سجن لصاحبه، لكن القناعة تجعل منه عنصر قوة، كل هذا مختزل في هذه الرسوم الكاريكاتورية المميزة جداً.
وأكدت أن هذا المهرجان ليس الأول الذي أفتتحه، والمهرجانات السابقة لم تكن أبداً في هذا المستوى، واليوم نحن أمام نقلة نوعية جداً، وأهنئ المنظمين والمشاركين والجمهور السوري الذي أدعوه لكي يرتاد الدار ليتمعن في هذه الرسوم البديعة.
وختمت بالحديث عن العدوان على غزة فقالت: ما يحدث في غزة من جرائم منكرة ومستهجنة لم تشهد الإنسانية لا في العصر الحديث ولا القديم مثيلاً لها ببشاعتها وهمجيتها.
قامة إبداعية
بدوره، قال مدير المهرجان الفنان رائد خليل: «في كل عام نحاول تسليط الضوء على قامة إبداعية أثرت وبصمت ورحلت، وناجي العلي ترك فينا الشاهد وهو «حنظلة»، ونحن تزامناً مع الأحداث في فلسطين حاولنا أن نسلط الضوء على هذه الشخصية بما يتناسب مع هذه الأحداث المتلاحقة في وجه الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأميركية بكل أفعالها المشينة والقبيحة، لذلك من واجبنا الأخلاقي والإنساني أن نتعامل مع هذه القضايا الحساسة بأخلاق عالية.
وأشار إلى أن ناجي العلي اغتيل في لندن عام 1987، ولذلك دفع حياته ثمناً للمواقف الإنسانية ولأنه جعل فلسطين أيقونة عالمية.
رسالة وفاء
أما المايسترو عدنان فتح الله فأشار إلى أن كل إنسان يعبر بطريقته عن دعمه للشعب الفلسطيني، ونحن كموسيقيين سنقدم مجموعة من الأعمال الغنائية عن فلسطين ومنها «سيف فليشهر» و«ياجبل مايهزك ريح» و«يا فلسطيني مجدك ارفع»، إضافة إلى الأهزوجة التي أعدناها سابقاً وأخذت صدى واسعاً وهي «شدوا بعضكم»، وموسيقا الافتتاح بعنوان «تحية الشهيد» من تأليف كمال سكيكر.
وشدد على أن البرنامج يوجه رسالة وفاء إلى القضية الفلسطينية، ونحن سعيدون بمشاركتنا بافتتاح هذا المعرض.
إلى العالمية
عضو لجنة التحكيم الفنان التشكيلي موفق مخول قال: إن ناجي العلي فنان فلسطيني عــربي تــرك بصمــة مهمـــة في الكــاريكاتــــور العالمي وكان غنياً فكرياً وإبداعياً ووطنياً، واستطاع أن يوصل صوته من خلال الخط والكلمة، وأعطى الكاريكاتور أهمية سياسية ووطنية، وأضحى منبراً من خلال رسوماته وأثر بجيلنا بشكل كبير.
وأوضح أنه اســـتطاع أن يصــل بالكاريكاتور إلى العالمية، وجعل منه حالة إنســانيــة ووطنيــة وحقق ملايين المتابعين، وهذا المهرجان هو تخليد لذكراه العظيمة.
ولد ناجي العلي عام 1937 في قرية «الشجرة» بمنطقة الجليل، وفي عام 1948 نزح مع أسرته إلى جنوب لبنان، وعاش في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
تلقى تعليمه الابتدائي بمدارس لبنان، والتحق بالأكاديمية اللبنانية عام 1960 ودرس الرسم فيها لمدة عام، وعمل في الصحافة متنقلاً بين لبنان والكويت ولندن.
انقلبت حياته حين زار الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني مخيم عين الحلوة وتعرف إليه وشاهد رسوماته ونشر إحداها في العدد 88 من مجلة «الحرية» في 25 أيلول 1961؛ لتبدأ رحلته في الصحف وتكون البوابة التي قدمته للجمهور.
عبّر عن قضايا الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فرسم ساخراً وصف حال المخيم الذي نشأ به، ومجزرة صبرا وشاتيلا، واجتياح لبنان وقصف المخيمات من دون أن ينطق بكلمة واحدة.
رسم نحو 40 ألف كاريكاتور خلال حياته، أشهرها «فاطمة» رمزاً للمرأة الفلسطينية القوية التي لا تهادن، و«الرجل الطيب» رمزاً للفلسطيني المشرد المقهور والمناضل والمكسور أحياناً، و«حنظلة» وهو طفل يعقد يديه خلف ظهره وبقي رمزاً للقضية الفلسطينية حتى يومنا هذا.
ولدت شخصية «حنظلة» في 5 حزيران 1969 في جريدة «السياسة» الكويتية كرمز للفلسطيني، وأصبح «حنظلة» بمثابة توقيع ناجي العلي على كل رسوماته.
وفي 22 تموز1987 أطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي في لندن، فأصابه ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 آب 1987.