يعد «معهد أبحاث بروكينغز الأميركي» من أهم مؤسسات الأبحاث السياسية والإستراتيجية العالمية منذ تأسيسه عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى واندفاعة الاهتمام الأميركي الإمبريالي بدول القارات الأخرى، ولذلك أصبح المعهد من خلال أبحاثه وتوصياته في مواضيع جدول عمل السياسة الخارجية الأميركية إحدى أدوات النفوذ والتأثير الأميركي في العالم خلال أحداث وحروب القرن الماضي وحتى هذه اللحظة.
في تحليل حديث كتبه، جيمس كاردين، وهو مستشار سابق لـ«لجنة الرئاسية الثنائية الأميركية الروسية» في وزارة الخارجية الأميركية في 12 من شهر شباط الجاري تحت عنوان «رسالة إلى بلاد الفكر البحثي ودوره في النفوذ الخارجي للسياسات الأميركية»، جاء فيه «أن الطقوس المألوفة التي يستخدمها الممثلون للسياسة الخارجية في دول العالم أصبحت حين يأتي هؤلاء الممثلون إلى واشنطن للتداول في الأعمال، روتينية، ومع مرور الزمن بدأت مراكز الأبحاث الأميركية تهتم بهذا المجال وتعده مهمة وظيفية بالنسبة لها وتتمول بواسطته بملايين كثيرة من الدولارات من أموال تلك الدول، وهذا ما جرى في الأسبوع الماضي مع وزير خارجية النرويج، ايسبين بارت أيدي، حين ظهر في إحدى منابر معهد بروكينغز في واشنطن ليتبين أن نائب رئيس المعهد، سوزان مالوني، بذلت قصارى جهدها للحصول على مبلغ مالي من حكومة النرويج أثناء زيارته، وتبين من خلال ما عرض للنقاش أن موضوع دعم الحرب على روسيا في أوكرانيا والعمل على تصعيدها هو الهدف الأميركي الذي تتمسك به السياسة الخارجية الأميركية»، ويبين أيدي أن «ميلوني كانت قد شجعت بعض الباحثين الأميركيين على تبرير البدء بحرب عالمية ثالثة ضد إيران».
كما يلعب المعهد دور التحكم أيضاً بالآراء التي تتعارض مع توجهاته وهذا ما جعل المعهد يحذر من آراء بعض المفكرين الذين رأوا أن الحرب على روسيا في أوكرانيا تشبه بالنسبة للولايات المتحدة تورطها في فيتنام، وبالمقابل كان بركينغز قد يتبنى أفكار بعض رجال الأبحاث مثل، تشارلز ليستير، ومدير المخابرات المركزية الأميركية، ديفيد بيتروس، وغيرهم من المشعوذين السياسيين الذين أمضوا سنوات في حث إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على تأسيس قاسم مشترك مع تنظيم القاعدة وداعش ضد سورية للإطاحة بالدولة مقابل تأسيس دولة داعشية طائفية، ويضيف أيدي: «اليوم، يتلخص الدور الذي تلعبه مؤسسات الفكر والرأي الأميركية في المساعدة على خلق بيئة عقلية تتفق مع تفاقم الخيال الأوكراني وأوهامه علماً أن 700 ألف من المجندين في الجيش الأوكراني فروا من الجيش ولا أحد يتحدث عن إعادة بناء الدمار الذي وقع في أوكرانيا ويحتاج إلى ميزانية من تريليون دولار وهذا يعني إخفاء للحقائق».
لا شك أن منطقة الشرق الأوسط وأهميتها الإستراتيجية للولايات المتحدة تدفع بالكثير من مراكز الأبحاث الأميركية نحو توسيع أعمالها ودورها في تضليل المثقفين الوطنيين من الدول والشعوب الأخرى ومحاولة الـتأثير عليهم بواسطة وسائل كثيرة أهمها وسائل الإغراء المالي أو الحصار والعزل، لتفتيت الثقة بما يكتبونه من أبحاث ودراسات تفيد أوطانهم وتحول دون سيطرة الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الغربية وبخاصة الأميركية على الساحة السياسية أو الفكرية، وقد تعرضت القضايا العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، إلى أفدح أنواع التشويه السياسي والفكري من مراكز الأبحاث الأميركية التي تستعين بمراكز الأبحاث الإسرائيلية الصادرة بالإنكليزية والعبرية كأهم مرجع لها في الحرب المشتركة ضد هذه القضايا، كما أن الأموال التي تحصل عليها مراكز الأبحاث الأميركية غالباً ما يجري تخصيص نسبة منها لمصلحة معاهد الأبحاث الإسرائيلية وأهمها معهد الأبحاث القومي «آي أن إس إس» الذي ينشر أبحاثه بالعبرية والإنكليزية وكذلك بـ«مركز هيرتسيليا» الإسرائيلي لأبحاث الأمن والإستراتيجيات العسكرية.
في عصر الاتصالات الحديثة أصبحت المعلومات قاعدة قوة أساسية وضرورة لا غنى عنها في أي أبحاث ودراسات فكرية ولذلك نجد أن تبادل المعلومات بين تل أبيب وواشنطن وعواصم غربية أخرى أصبح عامل قوة تستخدمها هذه الدول في تنفيذ سياساتها ضد المنطقة وقضاياها العادلة.