برعاية من الأمانة السورية للتنمية.. انتهاء أعمال الترميم الأولية للمدخل الرئيسي لقلعة حلب
| وائل العدس
بعد أشهر من العمل الدقيق والمتواصل، أنهت شركة «دياري» بتمويل من الأمانة السورية للتنمية أعمال الترميم الإسعافي لمدخل قلعة حلب التاريخية والذي كان مهدداً بالسقوط نتيجة التشققات والتصدعات التي تسبب بها زلزال السادس من شباط من العام الماضي، ضمن عملية الترميم المستمرة للقلعة.
عمليات ترميم مدخل القلعة المدرجة على لائحة التراث الإنساني استمرت لمدة خمسة أشهر تعاونت فيها الأمانة السورية للتنمية مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، والخبراء الاختصاصيين والفنيين من شركة «دياري» لمراعاة الشروط والمعايير العالمية للترميم الأثري والتراثي والتي تتطلب عملاً دقيقاً للحفاظ على هوية القلعة وخاصّة حجارتها وأقواسها.
انطلاق أعمال الترميم جاء بعد الانتهاء من توثيق لجان الكشف الهندسي للأضرار التي لحقت بمدخل القلعة والتي تسببت بإغلاقها نتيجة الخطر الذي يشكلّه واقع مدخلها على الزوار حيث توافق أفراد المجتمع المحلي خلال ورشة أُقيمت في منارة حلب القديمة على ضرورة وأولوية الترميم لمدخل القلعة كإجراء إسعافي لما تمثله قلعة حلب بعراقتها من رمزية تاريخية كأهم المعالم التراثية في سورية، خاصة أنها تشكل جزءاً من مدينة حلب القديمة التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم «اليونسكو» منذ عام 1986 على لائحة مواقع التراث العالمي.
عمليات الترميم تلك ستبقي قلعة حلب من أجمل وأبدع القلاع في العالم وأكبرها، وستتناقل الأجيال جيلاً بعد جيل تاريخها الحافل بالعراقة والحضارة.
الشاهد الأبرز
وتعدّ قلعة حلب من أجمل وأكبر القلاع وأقدمها، وتعتبر شاهدة على الكثير من الأحداث التاريخية في المنطقة. كما شكلت قاعدة للكثير من الحكام والملوك والقادة منذ الآراميين مروراً بالعديد من الحضارات وصولاً إلى العصر الإسلامي.
تعد الشاهد الأبرز على عراقة المدينة وأهلها، ويعود تاريخ إنشائها إلى العصور الوسطى.
تتوسط القلعة المدينة القديمة في أعلى تل مرتفع عن سطح الأرض، ويحيط بها سور دائري وعدد من الأبراج التي ترجع لحضارات مختلفة، بحيث تتيح لزائرها فرصة مشاهدة معظم شوارع وحارات المدينة في مشهد جمالي رائع.
تضم القلعة الكثير من الآثار، والتي يعود تاريخ بعضها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، كما تضم بقايا المساجد والقصر ومباني الحمامات.
وما المدينة المسورّة التي نشأت حول القلعة سوى دليل على تخطيط الشارع اليوناني الروماني المبكر، وتحتوي على بقايا المباني المسيحية في القرن السادس، والجدران والبوابات في العصور الوسطى، والمساجد والمدارس التي ترتبط بالتطور الأيوبي والمملوكي للمدينة.
ويقع في جهة الغرب من القلعة حي باب الفرج، ومنطقة الجديدة إلى الشمال منها، إضافة إلى مناطق أخرى إلى الجنوب، وفي جهة الغرب ثمّة مبانٍ ومعالم دينية مهمة.
وسجلت القلعة، قبل عدة سنوات، في موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية بوصفها كأضخم قلعة في العالم، ولا غرابة في ذلك فهي تضم مباني أثرية مهمة يأتي في مقدمتها قصر العرش والمسجد الكبير والبوابات والأسوار والأبراج وغيرها والتي تبلغ مساحتها 11 هكتاراً.
ويزور القلعة آلاف الزائرين العرب والأجانب سنوياً، بحيث يأتون إلى مدينة حلب وتكون القلعة وجهتهم الأولى لوقوعها في قلب المدينة.
معاينة الأضرار
خلال العام الماضي، وبعد زلزال السادس من شباط، أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف، أن التقارير الأولية الواردة للمديرية أشارت إلى تعرض قلعة حلب لأضرار طفيفة ومتوسطة، منها سقوط أجزاء من الطاحونة، وحدوث تشقق وتصدع وسقوط أجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية.
كما سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة، كما سقطت أجزاء من الحجارة، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار.
وإضافة إلى ذلك، تضررت بعض القطع الأثرية المتحفية داخل خزن العرض، وظهرت تصدعات وتشققات على واجهة المتحف الوطني في حلب.
حلب عبر العصور
عُرفت باسم حلب منذ أقدم العصور، ولكن هذا الاسم حُرّفَ في بعض الأحيان، فأطلقت عليها أسماء فسماها السومريون والأموريون «حلائب» ويعني في اللغة الأمورية القديمة الحديد والصلب أو النحاس.
أما الحثيون والميتانيون فقد دعوها «حلبا أو حلباس»، ودعاها الآشوريون اسم «حلبو وحلوان».
وقد وصفت حلب بالشهباء وكما تقول الأسطورة فإن سبب إطلاق هذه الصفة أن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام أقام في حلب مدة من الزمن، وكان يملك قطيعاً من البقر، وفيه بقرة تلفت النظر بخوارها، وبلونها المرقش، وكان يحلبها كل مساء، وكان أهل حلب ينتظرونه بقولهم: «إبراهيم حلب الشهباء».
وذكر بعضهم أن صفة الشهباء أطلقت عليها لأن أرضها ولون البناء أبيض وأشهب، فجاءت الصفة نسبة إلى لون الأرض، والبناء.
ومنهم من يقول إن العرب قد عربوا كلمة «حلبا» السريانية، والتي تعني البيضاء، فقالوا حلب، ونعتوها بمعناها، فقالوا: «حلب الشهباء».
وذكر الكاتب البريطاني روان مور عبر صحيفة «الغارديان» أن مركز حلب كان أعجوبة؛ إذ كان تجسيداً للثروة المادية والثقافية، التي جعلت من سورية من أكثر البلدان حظاً وتحضراً على وجه الأرض. فهي شبيهة بكاليفورنيا الشرق الأوسط، بمناخها وأرضها الخصبة وجمالها المادي، وموقعها بين البحر الأبيض المتوسط وطريق الحرير إلى الشرق.
وشبَّه مدير متحف الفن الإسلامي في برلين، ستيفان ويبر، حلب ببرشلونة، أو فلورنسا، قائلاً: «تميزت المدينة بالتعدّدية الدينية، وتراثها غير المادي وموسيقاها ومطبخها».