ملامسة قضايا الحياة بشكل مباشر … حناوي لـ«الوطن» أقدم نفسي للآخر وله حرية التفسير
| مصعب أيوب
نظر إلى السماء ثم إلى الأرض متأملاً… أغمض عينيه… تقاطعت الظلال والألوان في شقوق قاسية، شعر بحنان اللـه والوطن وقال: كل شيء قابل للصياغة من جديد، لكن المشكلة يا صديقي أنها حياة جميلة ومقلقة، قلت: انظر حولك، ألم تعد تأسرك التفاصيل الصغيرة؟ قال: ربما، هي شكل الأمل أمام اللحظات الشاقة.
بهذه العبارات يستهل الفنان الشاب مجد حناوي معرضه «وطن» الذي احتضنته مساء الاثنين صالة نور سلمان في دمشق ليضم 20 عملاً من الحجم الكبير فيها من الجمال والسحر الشيء الكثير.
زلزال مدمر
الفنان الشاب مجد حناوي في كلمة لـ«الوطن» أفاد أن معرضه الفردي الثاني هذا يجسد علاقة الفرد بوطنه ليس الإنسان السوري فحسب ولكن ينطبق القول على أي شخص لديه انتماء وأرض وبيئة نشأ فيها، فالمادة المقدمة تلامسنا بطريقة أكبر ولاسيما أن اللوحة الكبيرة تتمحور حول الزلزال الذي ضرب البلاد منذ نحو عام وأحدث ألما كبيراً في النفوس، فمن لم يفقد أحد أفراد عائلته فقد بيته أو سيارته أو ربما فقد كليهما.
صياغة جمالية
وقد رمز حناوي «خريج 2017» في لوحته إلى بعض الرموز التي تخبر عن الزلزال وأهواله بطريقة مباشرة للرؤية، فنرى مثلاً أرقاماً تشي بالحصيلة الأولية لعدد الشهداء ورقماً آخر يخبر بتوقيت حدوث الزلزال وآخر ينم عن المدة الزمنية التي استمر خلالها، ناهيك عن بعض المشاهد التي تأخذ شكلاً كارثياً مثل أشكال المباني المنهارة والتي تدمرت أو تصدعت، فاستطاع من خلال مزج ساحر للألوان التعبير عن صياغة جمالية ليقدم الشكل المريح لذلك اللون.
حدث كارثي
وعن سبب اعتماده لوحات جدارية كبيرة جداً وضخمة يفيد حناوي أن ضخامة وعظم الحدث الكارثي ربما كانت تستدعي الاستعانة بهكذا أحجام لكي تعج اللوحة بكل ما حمله الزلزال، مشيراً إلى أنه يميل إلى الشكل الهندسي في الرسم فأخذت الأعمال تذخر بالأبنية الطابقية منها المهدم ومنها السوي، كما أنه يرجح أن الوقت غير مهم في الإنجاز فهي تجربة ربما تحتاج لوقت طويل وربما قصير فليست المعيار الأساسي للتقييم، وعن ملامسة الأعمال الفنية لعقل المتلقي وقلبه، يقول حناوي: لا أسعى إلى ذلك بقدر ما أسعى إلى تقديم ما في داخلي وما أفكر به، وأنا أقدم نفسي للآخر من خلال هذه الأعمال وله حرية الرؤية والتفسير وأنا أعمل بفن إبداعي ويخبر عن ذاتي، وأنا أحاول أن أعمل بشيء أقرب إلى روحانية الوطن وأفكر بعلاقة أي شخص بوطنه وهو لا ينحصر ضمن النطاق السوري.
الوطن والملاذ
مديرة الصالة نور سلمان أوضحت أن فكرة المعرض جاءت منذ حدوث كارثة الزلزال لنبين قيمة الوطن والبيت على اعتباره الملاذ الآمن، وقد شرع حناوي بالعمل واستمر به ليحكي عن الزلزال وتبعاته وأيضاً عن البيت والملجأ ليبرز أهمية انتماء الشخص للمكان الذي ولد فيه أو نشأ فيه وترعرع بين أحضانه، فهو يبقى ملازماً لنا حتى وإن تغربنا عن الأوطان وإن هاجرناها فنحن مرتبطون به بطريقة ما.
الخروج عن المألوف
وتابعت: استخدم مجد عدة تكنيكات في اللوحات ومنها تفاصيل المنزل وأجزاؤه وزواياه والشكل الخارجي للأبنية أيضاً، وموضوع الزلزال إنساني إلى حد كبير ويمس كل شخص فينا ولذلك تشجعت واستضفت الأعمال في الصالة لأني أفضل المواضيع الإنسانية والتي تتصل بالأفراد بصورة كبيرة من الداخل، وكل من ينظر إلى اللوحة يتفاعل معها ويظن نفسه المقصود فيها وتتحدث بلسانه.
كما أشارت إلى أنها تفضل الأعمال التي تحمل شيئاً من الغرابة والخروج عن المألوف وهو ما دفعها إلى تبني معرض مجد ذي اللوحات الضخمة مؤكدة أن اللوحات ذات الأحجام الكبيرة جداً ليس من السهل التسويق لها بحيث أنه ليس من السهل إيجاد مكان يتسع لهكذا حجم، وقد بينت أن هناك الكثير من الأعمال التي من غير الممكن التسويق لها أو حتى بيعها ولكن الغاية منها تكون إيصال رسالة للمتلقي فحسب من دون الاكتراث إلى تحقيق عائد مادي من ذلك، كما أنها تعطي المعرض أهمية كبيرة وعالية.
عناصر جوهرية
وعن الوطن تقول سلمان: ما الذي يحدد الوطن؟ إنه سؤال عانيت منه طوال حياتي، لقد أدركت أن الوطن ليس مجرد مكان، بل هو رابط لا يمكن تجاوزه ويستمر في سحبك مرة بعد مرة، بغض النظر عن محاولاتك للمقاومة، سواء كان دفء العواطف المألوفة، أم الذكريات العزيزة، أو عناق المأكولات المحضرة في المنزل، إنها تلك العناصر الصغيرة والجوهرية التي تثبتك، تعيدك إلى ذاتك، حتى عندما تحاول الهروب منها.