اقتصاد

خدعـة ماكرة سموها «المساعـدات الخارجية»!

| د. سعـد بساطـة

تتبجح الدول العـظمى بتقديمها مساعـدات لبلدان العـالم الثالث؛ وتغـشنا الأرقام: فهي بمليارات الدولارات! ولكن لو وضعـنا تلك المعـونات تحت المجهر؛ لاكتشفنا حقيقتها السافرة!

من جهة واقعـية فللمصالح الاقتصادية بين الدول دور حاسم في تشكيل العلاقات الدبلوماسية على حساب الإيديولوجيا وعواطف العلاقات العرقيّة والجغرافية.

ولكن.. لماذا ندرس تلك العـلاقات المالية المتشابكة؟ أجاب فيلسوف: إذا لم تستطع قراءة الماضي فكيف تطمئن على حاضرك.؟!

شاغـل العـالم الآن: ممارسات الدولة المسخ عـلى مدنيي غـزة؛ وآخر ما حرر ضربهم تحت الحزام- اقتصادياً- بإلغاء مساهمات دول النفاق الغـربي في الأونروا (وكالة غـوث اللاجئين) بتهمة تعـاون بعـضهم مع المقاومة (هذا لعـمري يشبه التصرف المعـتوه؛ بإلغاء التعـامل بالنقد لدى العـثور عـلى ورقة نقدية مزيفة)! بقي لعـلمكم أن ميزانية الأونروا السنوية 1,5 مليار دولار (أقل بقليل من عـقد «ميسي» الذي طرح مع نادي الـهلال السعـودي للفوتبول)!!

وهذا ما حفـّزني عـلى فتح ملف ما سموها المساعـدات؛ وهي بواقع الأمر: فتات الفتااات! وجلّـها يعـود للدول المانحة (معـدات منها وخبراء من بلدها)!

لنبدأ برأس الأفعـى: أميركا؛ موازنتها السنوية تفوق الـ 3,5 تريليونات دولار؛ والمساعـدات الخارجية التي تقدمها – وفق شروط مجحفة-: أقل من 50 مليار دولار؛ أكثر من ثلثيها يذهب لتسليح دول حليفة وفق أجندة شريرة؛ وهناك ثلثا الأميركيين مع خفض تلك المساعـدات؛ على حين فقط 6 بالمئة مع زيادتها؛ عـلماً أنها لاتصل إلى 1 بالمئة من الموازنة!

في هذا السياق حبكت تلك الطرفة: دولة إفريقية جائعـة أرسلت حكومتها بطلب مساعـدات من بريطانيا (التي كانت عـظمى)؛ جاء الرد «الموازنة محدودة؛ شدوا الأحزمة عـلى البطون»! هنا أرسل البلد الإفريقي نداء استغـاثة آخر«أرسلوا أحزمة»…

في الواقع؛ لدى منح المساعـدة ؛ يتم التدخل في اقتصاد (وسياسة) البلد الخاضع لها؛ وبالتالي يفقد البقية الباقية من استقلاله -وماء وجهه- بعـد الشروط والإملاءات.. وقد لاتكون المعـونات من دولة ما؛ بل من هيئة (وهنا يتنافس كل من صندوق النقد الدولي؛ والبنك الدولي) ولكليهما وصفات لتقزيم الاقتصاد الوطني ؛ تحدث عـنها بالتفصيل الأميركي جون بيركنز في كتابه «اعترافات سفاح اقتصادي»! ونُشر في عام 2004 وتُرجم لثلاثين لغة من ضمنها اللغة العربية تحت عنوان «الاغتيال الاقتصادي للأمم» وهو عبارة عن مذكراته الشخصية، الذي يصف فيه وظيفته كـقاتل اقتصادي بحسب وصفه، والتي تُلخص الأسلوب الجديد للولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على دول العالم الثالث.

وأخطر مقولة وردت على لسان المؤلف في كتابه، هي التي تشرح سياسات الحكام الفاسدين التدميرية للدول النامية، إذ يقول «نغري الديكتاتور بأخذ القروض الضخمة، ونعلم أنه يسرقها أو يضعها في مشاريع فاشلة ثم تكبر تلك القروض وفوائدها، فلا يستطيع الدفع ولا يستطيع غيره الإصلاح مهما فعل وتصبح تلك الدولة رهنا لنا.

إليكم هذا المثال الحقيقي حول تعـامل دول الغـرب الثرية؛ مع احتياجات البلدان الأكثر فقراً!

زار رئيس البلدية المحلي محامياً شهيراً في مكتبه الباذخ؛ وافتتح الحديث بقوله «أبحاثنا تدل أن مدخولك يتجاوز ملايين الدولارات ولكنك لا تسهم بأي تبرعـات لمشروعـات البلدية. هلا تسهم بشيء للمجتمع المحلي؟».

بعـد تأمل أجابه «هل أبلغـتكم الأبحاث أن والدتي تحتضر من مرض عـضال؛ وفواتير المشفى ينوء بها الظهر»، أجاب رجل البلدية «لا.. آسف».

تابع المحامي «وأخي محارب قديم؛ ضرير الآن.. ولديه زوجة وستة أطفال بحاجة لإعـانة». هنا أرتج عـلى رئيس البلدية. وهل عـلمتم من الأبحاث أن زوج شقيقتي توفي في حادث أليم تاركاً إياها وأربعة أطفال وأكواماً من الديون.؟ هنا أجاب بخجل رئيس البلدية «أنا شديد الأسف؛ ليس لدينا أي فكرة حول ما ذكرت»!

هنا ختم المحامي حديثه بالقول «لكوني لم أساعـد أحدا منهم بفلس واحد؛ ما الذي يحملك عـلى الظن أنني سأسهم بمشاريع بلديتك اللعـينة؟!»؟

هذا هو وضع دول الغـرب المنافق؛ لا يمنحون الجارة أوكرانيا إلا بضغـط أميركي ووفق أجندة قذرة؛ فهل سنتوقع منهم مساعـدات للأونروا؟!

أضيف في الختام: حتى لو منحوا مساعـدات؛ فلا توجد دولة تمنح معـونات بريئة من «الشوائب»؛ فلا يوجد هنالك «عـشاء مجاني»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن