كان عامل النقص في القوة البشرية لجيش الاحتلال، من بين عوامل الضعف التي ظهرت جلية في حربه الأخيرة على قطاع غزة والضفة الغربية، فقد تبين أنه لم يتمكن من الاستمرار بالاحتفاظ لمدة طويلة بنسبة كبيرة من قوات الاحتياط، المقدر عددها بـ360 ألفاً، التي استدعاها لحرب شنها على المقاومة الفلسطينية واللبنانية في جبهتين رغم اتساع وكثافة المساحات التي دمرها في القطاع بشكل خاص.
وعلى ساحة الحروب التقليدية التي تشنها القوات الأميركية في دول عديدة، بدأ عامل النقص في القوة البشرية المطلوبة في هذه الحروب واحتمالات توسعها يظهر بوضوح في الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية، وهذا ما يؤكده الباحث في «معهد ليبيرتاريان» الأميركي للدراسات، كيم روبينسون، في تحليل في السادس من شباط الجاري بعنوان: «من سوف يقاتل في كل هذه الحروب الأميركية؟» ويرى أن «طبول الحرب تدق والمسؤولين ووسائل الإعلام يطالبون بتدمير الأعداء وغزوهم ويروجون لجمهورهم بأن هذه الحرب أصبحت محتمة»، ويبين روبينسون أنه «بينما تتساقط القذائف الأميركية على اليمن وسورية والعراق، وتستمر إسرائيل بتدمير غزة، والروس يقاتلون في أوكرانيا، فإن واشنطن وحلفاءها يتحدثون الآن عن توسيع الحرب لتشمل إيران والصين وكوريا الشمالية، فالحرب المستمرة بالنسبة لأميركا تعد إحدى طرق المحافظة على «صحة الإمبراطورية» وتحقيق مصالح الأقلية الحاكمة الغربية، ويتساءل روبينسون: لكن هل تجد هذه القوى من سوف يقاتل في حروبها هذه؟» ويكشف أن الجيش الأميركي يصارع من أجل إيجاد مجندين جدد ولا يجد أن المجندين سابقاً يرغبون بالعودة إلى الخدمة والتعاقد مع الجيش والمشاركة بحروبه، كما أن العلاقة بين قيادة الجيش وأفراده بدأ يظهر من النقاش الجاري حولها أنها تتآكل بسبب عدم الكفاءة وسوء الأداء، وخاصة بعد حربي أفغانستان والعراق والزمن الطويل التي استغرقته كل منهما.
ويمكن القول بلغة واضحة: إن زمن إرسال الحشود العسكرية الأميركية ولّى منذ انتهاء الحرب في العراق حين استخدمت واشنطن أكثر من 200 ألف من جنودها عام 2003 إضافة إلى قوات من الدول الغربية الحليفة ثم سحبتها وانسحبت مهزومة بعد ذلك من العراق وكذلك من أفغانستان أيضاً.
ويبدو أن مسألة الخلل وعدم تأمين القوة البشرية الأميركية العسكرية اللازمة لاحتلال وسيطرة الولايات المتحدة على دول كثيرة، دفعت السياسة الامبريالية التقليدية إلى انتهاج خطط جديدة تقوم على قاعدة عدم استخدام عشرات أو مئات الآلاف من القوات لتحقيق الأهداف، بل مئات أو آلاف ترسلهم لغزو منطقة في شمال شرق سورية أو شمال غرب العراق والبدء بصناعة جنود محليين من سكان تلك المناطق وتعزيزهم بمجموعات إرهابية من الخارج وتسليحهم ودفع رواتبهم ليصبحوا على غرار جيش سايغون في فيتنام الجنوبية عام 1964 الذي استخدمته الولايات المتحدة 11 عاماً ضد فيتنام الشمالية، ورغم ذلك دفع الجيش الأميركي في حرب فيتنام 50 ألف قتيل من الجنود الأميركيين ثم أجبر على الانسحاب عام 1975 مهزوماً.
ويبدو أن الولايات المتحدة بدأت تسعى من خلال وجود عدة آلاف من قواتها المحتلة المتمركزة في شمال شرق سورية منذ عام 2015 إلى صناعة مجموعات مسلحة وميليشيات باسم «قوات سورية الديمقراطية- قسد» في شمال شرق سورية وتسليحها بعربات ومدافع ميدانية وتجنيدها لخدمة أهدافها بدلاً من زيادة عدد وحداتها العسكرية الأميركية هناك، وكان مشروعها لتجنيد الجيش العراقي الوطني لخدمة أهدافها قد هزم بعد أن دمرت المقاومة والقوى القومية والإسلامية العراقية مخططه سياسياً وعسكرياً، ولهذا السبب قام الجيش الأميركي بشنّ غارات على قوى المقاومة المسلحة العراقية التي تصدت له واستهدفت قواته الأميركية عند الحدود العراقية-السورية-الأردنية.
ولا شك بأن محور المقاومة على امتداد ساحاته في المنطقة سيظل يشكل جبهة موحدة تتصدى لهذا المشروع الهادف إلى تجنيد قوى مسلحة محلية لتنفيذ مهامه، يستعيض فيها عن تجنيد المزيد من الأميركيين ونشرهم على الحدود الشمالية والشرقية لسورية مع العراق، وسيظل ميزان القوى بين وحدات الجيش الأميركي والمجموعات المسلحة التي يوظفها معه وبين الجيش العربي السوري والجيش العراقي وفصائل محور المقاومة يميل لمصلحة المقاومة وأهدافها لطرد الاحتلال الأميركي من تلك المناطق.