يعترف الخريج بدرجة دكتوراه من جامعة برينستون الأميركية بعد خدمة 40 سنة في المخابرات الإسرائيلية، وهو مؤلف كتاب «واقع ومستقبل إسرائيل.. تحليل راهن واقتراحات» أرنون غروس، في مقال نشره بمجلة «زمن إسرائيل» في 20 أيلول 2022 بأن «إسرائيل لها واقع استثنائي في الشرق الأوسط يجبرها على الاستعداد الدائم لمواجهة التهديدات، وأن ما جرى من ترتيب علاقات مع بعض الدول العربية لم يغير من وضعها وبقيت التهديدات تحيط بها»، ويضيف غروس: «رغم أن اليهود من أصحاب الجذور التاريخية في المنطقة إلا أن ثقافتهم ليست جزءاً من ثقافة شعوبها، بل إن إسرائيل تختلف بشكل مطلق عن هذه الشعوب التي تعد الإسرائيليين مستوطنين استعماريين جيء بهم من أوروبا في عهود الاستعمار وهو المفهوم الذي تحمله أغلبية سكان المنطقة».
وهذا الكيان الإسرائيلي، الذي يؤكد غروس طبيعة واقعه، ما كان لينشأ ويبقى بهذا الشكل لو لم يحمل الاستعماران البريطاني والفرنسي جزءاً من اليهود الأوروبيين بعد الحرب العالمية الأولى وينشرهم في فلسطين بعد احتلالها وتسليمهم أراضيها على الرغم عن إرادة الشعب الفلسطيني الموجود تاريخياً فيها. فبقاء المستوطنين ليس رهناً بقوتهم بل بقوة الدول الاستعمارية الكبرى التي ما زالت تتحكم بمستقبل هذا العالم وتفرض حدود شعوبه حقوقهم، ومبدأ استخدام القوة العسكرية المتفوقة على الشعوب في الحرب العالمية الأولى واحتلال أراضيها هو الذي جعل هذا الاستعمار يصنع في مخابره كيانات وهويات «وطنية» مصطنعة لتحقيق مصالحه والمحافظة عليها، وإسرائيل هنا في منطقتنا هي مجرد كيان أوروبي بالمستوطنين فيه وبثقافته، وإذا كانت ثقافة وتاريخ شعوب هذه المنطقة ذات قواسم قومية وإقليمية وثقافية مشتركة أو متشابهة في معظم مكوناتها وقيمتها، فإن إسرائيل لا تشبه بثقافتها أياً من القواسم والقيم التي تجمع شعوب المنطقة، ويلاحظ الجميع أن كل ما يبتكره العالم الغربي من انحرافات أخلاقية واجتماعية تتناقض مع قيم شعوب المنطقة وشرائعها الدينية المسيحية، وهو سرعان ما يصبح جزءاً من الثقافة الإسرائيلية حتى حين يتناقض مع الشريعة اليهودية، ولعل أخطر هذه الانحرافات هو شرعنة «العلاقات الجنسية المثلية» في إسرائيل وتبنيها في مناهج التعليم والتربية وفي تدريسها وإنشاء مؤسساتها القانونية الاجتماعية والترويج لاتباعها ومعاقبة كل من ينتقدها أو يحظر شرعنتها في سردياته ووسائل إعلامه، وهو نفس ما تتبعه الدول الغربية في قوانينها، فإسرائيل تصبح في هذا الواقع قاعدة ومنبراً لنشر مثل هذه الانحرافات في الجوار الإقليمي وكياناً تضمن حماية دوره في ترويج هذه الانحرافات، والكل يرى أن واشنطن وعدداً من دول الاتحاد الأوروبي تتخذ ردود فعل تعاقب كل دولة أوروبية أو غير أوروبية ترفض وتحظر مثل هذه الظواهر وتتبع سياسات تحول دون انتقالها إلى مجتمعاتها، وهو أحد القواسم المشتركة لقيم دول وشعوب المنطقة، ومثلما يعلن الغرب عن «حماية إسرائيل» وحقها في الدفاع عن نفسها وحقها في منع ما يسمى معاداة السامية في كل مكان، فسوف يكون من الطبيعي أن يتبنى حماية دورها في ترويج أي سياسة إقليمية تتخذها إسرائيل لنشر هذه الانحرافات الاجتماعية وهي التي أصبح عدد المنحرفين من الذكور والإناث فيها مليوناً بموجب إحصاءات المؤسسات والجمعيات التابعة لمجتمع المثليين الإسرائيليين، وكانت شوارع تل أبيب قد شهدت قبل عامين أكبر مسيرة لهؤلاء المنحرفين تجاوز عدد المشاركين فيها 800 ألفاً بعد أن كان عدد المشاركين قبل سنوات قليلة لا يزيد على خمسين ألفاً، ولا شك بأن أي دور إقليمي إسرائيلي تسعى الولايات المتحدة والغرب إلى فرضه في المنطقة سيجعلها تضع على جدول عملها فرض الحظر على معاداة السامية وعلى منع استنكار ثقافة الانحراف المثلي التي بدأ الغرب يضع لها قوانين تطول بالعقوبات كل دولة ترفض تعديل قوانين مجتمعاتها أو استيعاب ثقافة الانحراف المثلى، وإذا كان الرئيس الأميركي لديه عادة مبعوثه الخاص المكلف رصد ومراقبة أي دولة تعادي السامية للتحرك ضدها، فلن يكون من المستغرب أن يخصص مبعوثاً آخر لرصد ومراقبة كل من يتصدى لظاهرة الانحراف الاجتماعي وأحد أشكاله المروجة للعلاقات المثلية ومأسسة حمايتها، ومثلما كان العالم منقسماً بين معسكرين متناقضين أحدهما اشتراكي وآخر رأسمالي امبريالي في فترة الحرب الباردة، فإنه قابل للانقسام بين معسكر يرفض شرعنة العلاقات المثلية وآخر يدافع عنها ويفرض تعميمها، وستجد دول المنطقة أن روسيا والصين ودولاً كثيرة في العالم لن تقبل بالانخراط بهذه السياسة الغربية الأميركية بل سوف تعارضها قومياً ودينياً وخاصة في الدول التي ينتمي فيها السكان للكنيسة المسيحية الأرثوذوكسية الشرقية، أما إسرائيل فسوف تشكل الكيان الوحيد الذي يروج لكل سياسات الغرب المرفوضة من شعوب المنطقة، وهذا ما يتوقعه الدكتور غروس في هذا المجال.