قضايا وآراء

لزوم التغيير في الحالة السورية.. المقصود به والمسؤول عنه وأدواته والأثر المرجو منه

| د. مازن جبور

يعرّف التغيير بأنه عملية التحول من واقع يعيشه الفرد أو الجماعة، إلى واقع جديد مرغوب فيه، خلال فترة زمنية محددة، وبأساليب وطرق معروفة، بغية تحقيق أهداف محددة، ومن ثم يمكن وصفه بالفعل الطبيعي من الفرد العاقل أو الجماعة المنظمة، والضروري في الوقت ذاته للانتقال بالفرد أو الجماعة إلى واقع أفضل.

إن هذا الفهم البسيط المجرد للتغيير، لا خلاف عليه، إلا أنه قد ينشأ الاختلاف ويولّد خلافاً، حول لزومية التغيير والمقصود به وشكل التغيير وأدواته والمسؤول عنه والأثر المرجو منه، إذ قد يعادى من قبل المستفيدين من الواقع القائم، وقد يخذله بعض السلبيين المقتنعين بأنه لا جدوى منه، لذلك يبقى السؤال حول عملية التغيير، سؤالاً معقداً ومتشابكاً، يتطلب أولاً تحديد العناصر السابقة المرتبطة به.

من المفروض أن يكون التغيير حالة ملازمة للفرد والمجتمع، نظراً للكم الهائل من التطورات التي أصبحت تحاصرهم، بل وتطاردهم عبر قضم الزمن، ما يجعلهم متأخرين عن محيطهم، هذا في الحالة الطبيعية، في السياق ذاته، يكون التغيير لازماً على الجماعة البشرية في حال تعرضها لهزات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية أو غيرها، ما يعوق تقدمها، ويمنعها من تغيير واقعها باستمرار، ويضعها في موضع المدافع عن وجودها.

في ضوء ما سبق، يمكن توصيف حالة التغيير في سورية، باللازمة، فقد شهدت البلاد خلال عقد ونيّف القتل والدمار والتهجير والتغيير الديموغرافي، وانتشار الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، والتدخلات الإقليمية والدولية، والعقوبات والحصار الاقتصادي، ما أصاب بُناها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية بالعطب، الأمر الذي يجعل من التغيير لازماً على السوريين، لكونهم بأمس الحاجة إلى تغيير واقعهم الراهن، من خلال نبذ جميع خلافاتهم وصراعاتهم أيّاً كان نوعها وحجمها، والبدء بالعمل المشترك لوضع الأسس الكفيلة بخلق مسارات وطنية ديمقراطية، بهدف مجابهة الوضع القائم، والانتقال إلى مرحلة جديدة قادرة على تأطير القوى المجتمعية المتنوعة للنهوض من جديد.

يقال في اللغة العربية: «غير الشيء، أي بدله بغيره أو جعله على غير ما كان عليه»، والدلالة اللغوية لمصطلح التغيير تتطابق مع المقصود به سورية، فالحالة السورية مثال واقعي عن مجتمع شابه العطب، ومن ثم فإن القصد من التغيير تبديل هذا الواقع بواقع آخر، لذلك فإن المأمول من التغيير هنا ليس استبدال المجتمع بمجتمع آخر أو استبدال سورية ببلد آخر، بل نقد الواقع الحالي وتقديم مشاريع لتغييره، عبر إتاحة الفرصة أمام البشر الملتقين في المجتمع السوري، لإصلاح الوضع الراهن وتنظيم الشأن العام بإرادتهم، وبالتالي فإن التغيير هنا هو نتاج لخيار أساسي تم في لحظة معينة من التاريخ، وهذا يعني أن الواقع الجديد الذي يتم العمل للانتقال إليه، هو نتاج جماعي ويحظى باحترام المجتمع بأسره وليس من قبل أجزاء منه.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية التي تمر بها سورية منذ بداية الألفية الثالثة، يمكن وصفها بالمهولة، على صعيد الكم والنوع والمستوى، وانعكست تأثيراتها على جوانب الحياة كافة، وعلى فئات وتكوينات المجتمع كافة، وبالتالي يجب ضبطها وإدارتها بأعلى المستويات، لذلك فإن أولى الخطوات في هذا الاتجاه هو تحديد نقاط الخلل وتوصيف حالة الفوضى، التي لحقت ببنية الدولة السورية، ووضع مشاريع إصلاحية لها.

لقد تزايدت أهمية القوى الاجتماعية والسياسية الحقيقية، التي يمكن أن تتفاعل في حياة الدولة، وتتشارك في ممارسة السلطة بطرق غير مباشرة، إلى جانب القوى والمنظمات الرسمية التي يقيمها الدستور، بل ربما يصل الأمر بهذه القوى إلى التأثير في صنع القرارات، وتحديد فلســفة الدولــة، وتوجيه السلطة الحاكمة، وانطلاقاً من ذلك، أصبح لزاماً على النخب السورية أن تتولى مهمة النهــوض وإصــلاح المفاســد الكليــة في المجتمع السوري وعلى رأسها تشكيل منظومة للقيــم وللوعــي بها، قادرة على تجــاوز حالة الاستعصاء وانهيار مقومات وجــود المجتمــع والدولــة، إذ إن ضرورة المرحلة الحالية تحتــم علــى كــل مفكر ومثقــف أن يبـــدع في مكانه ومجاله، لتفعيل الوعي الجمعي وقيــادة مسؤولية إخراج الجمهور من حالة الفوضى إلى مأسسة المجتمع من جديد.

وفي هذا السياق، آن الأوان لإعادة النظر بالمسلمات والبدهيات المتصلة بالكثير من المواضيع الحاكمة للعلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة، وفي مقدمتها الهوية، والديمقراطية، والنظام الاقتصادي والسياسي والتعليمي، وغيرها، فمثلاً إجراء الانتخابات تبقى عملية مجردة من غايتها ما لم يكن المجتمع مشبع بثقافة الانتخابات، وكذلك وضع نصوص دستورية وقانونية حول المواطنة تبقى مفرغة من قيمتها ما لم يتم نشر ثقافة المواطنة في المجتمع، وقس على ذلك.

تعتبر مسؤولية التغيير مسؤولية جماعية، تقع على عاتق الفرد والأسرة والمجتمع والمؤسسات العامة والخاصة بمختلف قطاعاتها، وعلى عاتق مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في البلاد، وبشكل أكبر على عاتق السلطة الحاكمة، على أن يتم توزيع المسؤولية على الجميع، كل على حسب طاقته ودوره، مع التأكيد على الدور القيادي للجهات الفاعلة الكبرى في المجتمع والدولة سواء كانت مؤسسة دينية أم سلطة حاكمة منبثقة عن حزب أو ائتلاف سياسي.

وبناءً على ماسبق، فإنه في الحالة السورية يمكن القول إن التغيير مسؤولية الجميع أفراداً ومؤسسات وقوى سياسية واجتماعية ودينية، مع الإقرار بأن المسؤولية الكبرى في التغيير تقع على عاتق حزب البعث العربي الاشتراكي، بصفته قائداً للدولة والمجتمع في سورية وحاكماً للبلاد خلال ستة عقود، مع الإشارة إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يتخلَّ عن مسؤولياته في التغيير وأنه باشر في ذلك مؤخراً، والإصلاحات التي يقوم بها النظام السياسي الحاكم بصفته يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي، واضحة، ومستمرة، وهادفة، وذا أثر.

إذاً، إن إرادة التغيير موجودة لدى المجتمع السوري ولدى السلطة، وبدأت تعبر عن نفسها من خلال قرارات إصلاحية يتخذها الرئيس بشار الأسد، وفي وقت يطمح السوريين بخطى إضافية، فإن على كل الأفراد والقوى السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية المشكلة للمجتمع السوري أن تنضوي في عملية التغيير، بالانطلاق من الذات على كل الصعد، وبالمشاركة في استحقاقات عملية التغيير، وعلى رأسها العملية الانتخابية، بما يساعد في الإسراع بعملية الإصلاح، وتلمس نتائجها.

يبقى الأثر المرجو من التغيير، خيالاً يراود مريديه، ما لم يُبنَ التغيير على قواعد وأسس منهجية مترابطة، تقود كل منها إلى تحقيق التغيير الحقيقي في المجتمع والدولة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن