أكدت في مقالٍ سابق بعنوان «هموم معيشية» أن الكهرباء من القطاعات التي يجب أن تبقى بيد الدولة توليداً وتوزيعاً، ولا يجوز بحال من الأحوال التنصل من هذه المسؤولية التي تبقى من واجبات الدولة الأساسية، وأن الاستفادة من الطاقة البديلة يجب أن تتم بمشاريع عامة تقوم بها وزارة الكهرباء والجهات المعنية الأخرى.
وبينت أن نحو تسعين بالمئة من الشعب السوري أصبحوا يلامسون خط الفقر، وهم محرومون من الغذاء والدواء واللباس، ويعانون عدم توافر الكهرباء التي هي عصب الحياة ومن دونها لن تكون هناك حياة ولا زراعة ولا صناعة ولا تعليم.
فوجئنا مؤخراً بخبر صدور قرار عن وزير الكهرباء برفع قيمة الكيلو واط الساعي من الكهرباء المستجر من الشبكة الكهربائية للأغراض المنزلية لتصبح كمايلي:
عشر ليرات سورية للشريحة الأولى من 1-600 كيلو واط.
خمس وعشرون ليرة سورية للشريحة الثانية من 601-1000 كيلو واط.
مئة وخمس وثلاثون ليرة سورية للشريحة الثالثة من 1001-1500 كيلو واط.
ستمائة ليرة سورية للشريحة الرابعة من 1501-2500 كيلو واط.
ألف وثلائمئة وخمسون ليرة سورية للشريحة الخامسة التي تزيد على 2500 كيلو واط.
لقد جاء هذا الخبر في وقت وصل فيه الناس إلى ضيق معيشي غير مسبوق وهم، وأقصد ذوي الدخل المحدود وأنا واحد منهم، غير قادرين على تحمل أي عبء إضافي، وهم يعيشون بكفافٍ شديد ولا أبالغ إن قلت إنهم يعتمدون في غذائهم على رغيف الخبز الذي بقي لعقودٍ من الزمن خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو الاقتراب منه.
بدراسة وتحليل هذه الزيادة في ضوء الاستهلاك الوسطي العادي لكل أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص مع الأخذ بعين الاعتبار أن التقنين في أحسن الحالات والمناطق يكون 12 ساعة، يتبين أن الاستهلاك يتراوح بين 1500-2000 كيلو واط وللاستعمالات الضرورية، والأساسية أي من دون رفاهية وتكييف على سبيل المثال، وهذا يعني أن فاتورة الدورة ستبلغ 83500 ل.س عدا الرسوم إذا لم يتجاوز الاستهلاك 1500 كيلو واط، وإذا بلغ الاستهلاك 1800 كيلو واط تصل قيمة الفاتورة إلى 263500 ل.س عدا الرسوم، وهكذا؟!
ألم يدرك الذين أجروا الدراسة على التعرفة أن الحاجة إلى الكهرباء هي حاجة حياتية ضرورية، وأن الاستهلاك لغاية 2000 كيلو واط هو ضمن الحدود الطبيعية، إلا إذا كانوا يعيشون في عالم آخر لا يشعرون بحاجة الناس ومعاناتهم، وهم بالتأكيد من المدرسة التي تنادي باقتصاد السوق وتحديد الأسعار وفق نظرية العرض والطلب واحتساب التكاليف.
أقول لهؤلاء ولكل المعنيين في الحكومة إن اقتصاد السوق لم ينجح إلا في الدول الغنية وتنتهج سياسات متوازنة في تحديد الرواتب والأجور ولديها أنظمة ضمان صحي واجتماعي تحقق العدالة الاجتماعية لذوي الدخل المحدود.
فهل يُعقل أن يلزم المواطن بدفع فاتورة كهرباء بمبلغ يُقارب ثلاثمئة ألف ليرة سورية بالدورة الواحدة وراتبه الشهري بحدود هذا المبلغ!!
أما إذا كانت الغاية إجبار الناس على الاستعانة بأجهزة الطاقة الشمسية، فهذا يعني أن سورية ستكون للأغنياء فقط، وهذا سوف يؤدي إلى عواقب غير مرغوبة… الحكومة بحاجة إلى صدمة كهربائية إسعافية.