صوت مجلس النواب الأميركي يوم الخميس 15 شباط الجاري بأغلبية 389 صوتاً ومعارضة 32 على مشروع قرار يحمل اسم «مناهضة التطبيع مع الحكومة السورية»، الذي يمكن وصفه بأنه «نسخة معدلة» من «قانون قيصر» الذي أقرته واشنطن عام 2019، أو هي مصممة أصلاً للتعاطي مع المستجدات الحاصلة ما بعد هذا العام الأخيرة التي تمثل حالة التقارب العربي مع دمشق، أيار 2023، الحدث الأهم فيها.
وفق قوانين التشريع الأميركي سيجري عرض المشروع، بعد أن أقره مجلس النواب، على مجلس الشيوخ الذي إن أقره يجب عرضه، عندئذ، على الرئيس الأميركي ليصبح نافذاً منذ اللحظة التي يضع فيها هذا الأخير توقيعه عليها، والراجح هو أن كلتا الخطوتين الأخيرتين ستحصل قبيل شهر تشرين الأول الذي سيشهد انتخابات رئاسية قد تكون انعطافية في مسار البلاد، والترجيح هنا يتأتى من معطيين اثنين أولهما أن «الديمقراطيين» يمثلون أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ لكنها كافية لتمرير المشروع، وثانيهما هو أن توجهات بايدن تجاه سورية تجعل من فعل التوقيع على المشروع يقيناً.
يهدف المشروع بالدرجة الأولى إلى شطب الحالة المتولدة بعد أيار 2023 الذي شهد انفتاحاً عربياً على دمشق بعيد الاجتماع الوزاري بعمان الذي تلاه حضور سورية للقمة العربية بجدة، وفي مقلب آخر من شأنه أن يوسع القيود التي فرضها سلفه، «قانون قيصر»، الذي أقرته إدارة الرئيس دونالد ترامب عام 2019، وكذا فرملة عمليات إعادة الإعمار في سورية والحيلولة دون فتح الباب أمام عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وصولاً إلى إغلاق القنوات الاقتصادية الباقية التي أتاحت للسوريين في غضون مرحلة الحصار سد احتياجاتهم على قلتها، وأخطر ما فيه أنه يهدف إلى محاصرة المنظمات التابعة للأمم المتحدة بهدف منعها من تقديم أدنى درجات المساعدة للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية التي باتت تعاني بدرجة أكبر من تلك الخارجة عن سيطرتها في الشمال الغربي والشمال الشرقي من البلاد، وتلك غاية تتعدى في مراميها الضغط الاقتصادي لتصل إلى مرام من نوع خلق حالة متفاوتة من التطور داخل مناطق السيطرة الثلاث قد تهيئ المناخات لمشاريع لاحقة، فيما إذا نضجت ظروف أخرى يبدو من الصعب عليها أن تفعل وفقاً لمؤشرات عدة أبرزها حالة الرفض الإقليمي لمشاريع كهذه ستكون، فيما لو حصلت، مخلة بتوازنات إقليمية بدرجة قد تدفع بالمنطقة إلى حال من اللااستقرار الذي تحتوي كماً وافراً منه.
اللافت في المشروع، الذي قيل إن المداولات التي استبقت طرحه على مجلس النواب الأميركي قد استغرقت ثلاثة عشر شهراً قبيل أن يصل إلى الصيغة التي وصل إليها، هو الدور الإسنادي الذي لعبه سوريون مقيمون بالولايات المتحدة، وجلهم حاملون لجنسيتها، في سياق تلك العملية، والجدير ذكره هنا أن وزارة الخارجية الأميركية كانت قد عملت، جنباً إلى جنب مع مؤسسات أميركية أخرى، على تأسيس ما يسمى «المجلس السوري الأميركي» الذي أبصر النور عام 2005، والتاريخ هنا يستحضر بالتأكيد الأحداث التي شهدها العراق بدءاً» من ربيع عام 2003 فصاعداً، في محاولة لاستنساخ التجربة الحاصلة في الجوار العراقي على الأرض السورية، لكن الأحداث أثبتت أن فعل الاستنساخ أمر متعذر بل يكاد يكون مستحيلاً لاعتبارات عدة، لكن اندلاع الاحتجاجات السورية ربيع العام 2011 كان قد أعاد الحياة إلى «المجلس» بعدما تأكد أن الولايات المتحدة ماضية نحو الاستثمار فيها، والشاهد هو أن الأخير كان قد لعب دوراً مهماً في صياغة «قانون قيصر» وفقاً للتوصيف الذي استخدمه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عشية إقراره، ووفقاً أيضاً لتصريح كان قد أدلى به، زكي اللبابيدي، الذي يشغل منصب الرئيس في ذاك المجلس، أما الشاهد الجديد فكان عبر ما كتبه الناشط في المجلس، محمد علاء الغانم، في تغريدة على «X» قال فيها إن تمرير القانون هو «إنجاز سياسي وإنساني ضخم يدفع للفخر»، وأضاف إن ما جرى يمثل «لحظة مفصلية لا في تاريخ العلاقات الأميركية السورية فحسب، بل في تاريخ جهود المناصرة التي اضطلعت بها الجالية السورية الأميركية منذ العام الأول لانطلاقة الثورة».
هذه المعطيات تشير إلى مرمى أميركي ليس بجديد، لكنه يحث الخطا مؤخراً بدرجة أكبر، ومن خلاله تسعى واشنطن إلى تفعيل «المجلس السوري الأميركي» وتوسعة دوره بعد إعطائه الزخم اللازم ليكون، ربما، بديلاً لمؤسسات المعارضة السورية التقليدية، وفعل من هذا النوع سيؤدي بالضرورة، فيما لو نجح، إلى تهميش أدوار دول إقليمية تلعب دوراً وازناً في الأزمة السورية، وإلى تثقيل الدور الذي تلعبه واشنطن في هذه الأخيرة، حتى ولو اقتضت الضرورة تنفيذ انسحاب من الشرق السوري مما تبين علائمه بوضوح على الرغم من كل التصريحات التي تريد تأكيد نيات معاكسة لذاك الفعل.
كاتب سوري